للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جنس ما يعرفونه ويتعاطونه من الفصاحة والبيان.

أبان بعد هذا وجه الرحمة في تسمية اللَّه رسوله نبي الرحمة، ونبي الملحمة، والحاشر، وإن الكتاب المعجز باق عندهم بقاء الدهر، كما قال: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [ (١) ] ، فمن بلغ وقبل فاز ونجا، ومن رده وكذب به قوتل، ونصبت بينه القتال والملحمة حتى ينقاد لشريعته، أو يقتل لسوء اختياره، فتتم الرحمة بهذه المعاملة، ويعرف فضل هذه الأمة على غيرها بإزالة الاستئصال والاصطلام الواقعة بغيرها من الماضين من الأمم.

وذكر من طريق عبد الجبار بن عمر الأيلي، عن عبيد اللَّه بن عطاء بن إبراهيم عن جدته: أم عطاء- مولاة الزبير بن العوام- قالت: سمعت الزبير بن العوام يقول: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (٢) ] ، صاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على أبي قبيس: يا بني عبد مناف، إني نذير لكم، فجاءت قريش فحذرهم وأنذرهم، فقالوا: تزعم أنك نبي يوحى إليك، وأن سليمان سخر له الجبال والريح، وأن موسى سخر له البحر، وأن عيسى كان يحي الموتى، فادع اللَّه أن يسيّر عنا الجبال ويفجر لنا الأرض أنهارا، فنتخذها محارث فنزرع ونأكل، وإلا فادع اللَّه بأن يحي لنا موتانا فنكلمهم ويكلمونا، وإلا فادع اللَّه أن يصير هذه الصخرة التي تحتك ذهبا، فنبحث عنها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف، فإنك تزعم أنك كهيئتهم، قال: فبينا نحن حوله إذ نزل عليه الوحي، فلما سري عنه قال: والّذي نفسي بيده، لقد أعطاني ما سألتم، ولو شئت لكان، ولكن خيرني بين أن تدخلوا باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة فلا يؤمن منكم أحد، فاخترت باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم، وأخبرني أنه إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم أنه يعذبكم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فنزلت:

وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ [ (٣) ] ، فقرأ ثلاث آيات فنزلت: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى [ (٤) ] .


[ (١) ] الأنعام: ١٩.
[ (٢) ] الشعراء: ٢١٤.
[ (٣) ] الإسراء: ٥٩.
[ (٤) ] الرعد: ٣١.