الثاني: أن الصلاة من اللَّه تعالى من أفضل المراتب وأجل وأتم من كل صلاة، تحصل لكل مخلوق فلا يكون غيره مساويا له فيها.
الثالث: أن اللَّه تعالى أمر بها بعد أن أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، فأمر بالصلاة والسلام عليه، وأكده بالتسليم، وهذا الخبر والأمر لم يثبتهما لغيره في القرآن من المخلوقين.
الرابع:
أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إن اللَّه وملائكته يصلون على معلم الناس الخير، وهذا لا بتعلمهم الخير، فلما هداهم إلى خير الدنيا والآخرة وتسبّبوا بذلك إلى سعادتهم وفلاحهم، وذلك سبب دخولهم في جملة المؤمنين المهديين الذين يصلى عليهم اللَّه وملائكته.
ومن المعلوم أنه لا أحد من معلمي الخير أفضل ولا أكثر تعليما له من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، ولا أنصح لأمته ولا أصبر على تعليم الخير منه، ولهذا أنال أمته من تعليمه لهم ما لم تنله أمة من الأمم سواهم، وحصل للأمة من تعليمه من العلوم النافعة والأعمال الصالحة ما صارت به خير أمة أخرجت للعالمين، فكيف تكون الصلاة على هذا الرسول المعلم للخير مساوية في الصلاة على من لم يماثله في التعليم؟ وما بقول الشاعر على جواز كون المشبه به أفضل من المشبه، فلا يدل ذلك لأن قوله:
بنونا بنو أبنائنا
إما أن يكون المبتدأ فيه مؤخرا والخبر مقدما، ويكون قد شبه بنو أبنائه ببنيه، وكان تقديم الخبر لظهور المعنى وعدم وقوع اللبس، وعلى هذا جاز على أصل التشبيه، وإما أن يكون من باب عكس التشبيه كما يشبه القمر بالوجه الكامل في حسنه، ويشبه الأسد بالكامل في شجاعته، وعلى هذا فيكون الشاعر قد نزل
[ (١) ] ومع ذلك فقد ضرب اللَّه تعالى مثلا لنوره كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ [٣٥: النور] .