للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما جزمه أولا بأن جميع أدعيتهم مستجابة ففيه غفلة عن الحديث الصحيح:

سألت اللَّه ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. وقال ابن بطال: في هذا الحديث بيان فضيلة نبينا صلى اللَّه عليه وسلم على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة، ولم يجعلها أيضا دعاءً عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم [ (١) ] .

وقال ابن الجوزي: هذا من حسن تصرفه صلى اللَّه عليه وسلّم، لأنه جعل الدعوة بشيء ينبغي، ومن كثرة كرمه أنه آثر أمته على نفسه، ومن صحة نظره أنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين.

وقال النووي: فيه كمال شفقته صلى اللَّه عليه وسلّم على أمته ورأفته بهم، واعتناؤه بالنظر في مصالحهم، فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم [ (٢) ] .

قال أبو عمر بن عبد البر: وأما قوله: لكل نبي دعوة يدعو بها، فمعناه:

أن كل نبي أعطى أمنية وسؤلا ودعوة يدعو بها ما شاء أجيب وأعطيه. ولا وجه لهذا الحديث غير ذلك، لأن لكل نبي دعوات مستجابات، ولغير الأنبياء أيضا، دعوات مستجابات، وما يكاد أحد من أهل الإيمان يخلو من أن تجاب دعوته ولو مرة في عمره، فإن اللَّه تعالى يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ (٣) ] ، وقال:

بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ [ (٤) ] ، وقال صلى اللَّه عليه وسلّم: ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث: إما يستجاب له فيما دعا به، وإما أن يدخر له مثله، أو يكفر عنه [ (٥) ] . وقال: دعوة المظلوم لا ترد ولو كانت من كافر، والدعاء عند حضرة النداء، والصف في سبيل اللَّه، وعند نزول الغيث، وفي ساعة يوم الجمعة لا يرد، فإذا كان هذا، هكذا لجميع المسلمين، فكيف يتوهم متوهم أن ليس للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم ولا لسائر الأنبياء إلا دعوة واحدة يجابون فيها، هذا ما لا يتوهمه ذو لب ولا إيمان، ولا من له أدنى فهم، وباللَّه التوفيق.


[ (١) ] (فتح الباري) : ١١/ ١١٦- ١١٧.
[ (٢) ] انظر شرح النووي لأحاديث الشفاعة بصحيح مسلم كتاب الإيمان.
[ (٣) ] ٦٠: غافر.
[ (٤) ] ٤١: الأنعام.
[ (٥) ] رواه الترمذي رقم (٣٣٧٨) في الدعوات، باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة، وهو حديث صحيح لكن باختلاف يسير، وأخرجه مالك موقوفا في القرآن ١/ ٢١٧.