للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرج مسلم من حديث على بن مسهر قال: أخبرنا المختار بن فلفل عن أنس ابن مالك رضي اللَّه عنه قال: بينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم بين أظهرنا إذ غفا إغفاءة ثم رجع، فرأيته مبتسما!! فقلنا: ما أضحكك يا رسول اللَّه؟ قال: نزلت على آنفا سورة، فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ (١) ] إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (٢) ] ، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟

فقلنا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر في الجنة وعدنيه ربي عليه خير كثير، أو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك [ (٣) ] . [زاد


[ (١) ] أول سورة الفاتحة.
[ (٢) ] أول سورة الكوثر ١- ٣.
[ (٣) ] أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب (١٤) ، حجة من قال البسملة آية من أول كل سورة سوى (براة) ، حديث رقم (٤٠٠) .
وقوله: «يختلج» ، أي ينتزع وينقطع، وفي هذا الحديث فوائد، منها: أن البسملة في أوائل السور من القرآن، وهو مقصود مسلم بإدخال هذا الحديث هنا.
وفيه جواز النوم في المسجد، وجواز نوم الإنسان بحضرة أصحابه، وأنه إذا رأى التابع من متبوعه تبسما أو غيره مما يقتضي حدوث أمر، يستحب له أن يسأل عن سببه.
وفيه إثبات الحوض والإيمان به واجب.
قوله: «وهل تدري ما أحدثوا بعدك» ، وفي الرواية الأخرى: قد بدلوا بعدك فأقول: «سحقا سحقا» ، هذا مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال:
أحدها: أن المراد به المنافقون والمرتدون، فيقال: ليس هؤلاء ممن وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك، أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم.
والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم ارتد بعده، فيناديهم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء، لما كان يعرفه صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدوا بعدك.
والثالث: أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر، الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء الذين ينادون بالنار، بل يجوز أن يزاد عقوبة لهم، ثم يرحمهم اللَّه سبحانه وتعالى فيدخلهم الجنة بغير عذاب.
وقال الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج، والروافض، وسائر أصحاب الأهواء. قال: وكذلك الظلمة المسرفون في الجور، وطمس الحق، والمعلنون بالكبائر. قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخير. واللَّه تعالى أعلم. مختصرا من (مسلم بشرح النووي) : ٣/ ١٣٨- ١٣٩، كتاب الطهارة، باب (١٢) استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، حديث رقم (٢٤٦) ، ٤/ ٣٥٥- ٣٥٦، كتاب الصلاة، باب (١٤) حجة من قال البسملة آية من أول كل سورة سوى (براءة) ، حديث رقم (٤٠٠) .