للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الفرس حتى كان منا على قدر ما يسمعنا صوته، قال: يا أحمد، يا أحمد، اللَّه أعلى وأمجد، أتاك ما وعدك من الخير يا أحمد، ثم ضرب راحلته حتى أتى من ورائنا، فقال عمر رضي اللَّه تعالى عنه: الحمد للَّه الّذي هدانا بالإسلام وأكرمنا.

فقال رجل من الأنصار: أنا أحدثك يا أمير المؤمنين مثل هذا وأعجب، قال عمر: حدّث، قال: انطلقت أنا وصاحبان لي نريد الشام حتى إذا كنا بقفرة من الأرض نزلنا بها، فبينا نحن كذلك لحقنا راكب وكنا أربعة قد أصابنا سغب [ (١) ] شديد فالتفت فإذا أنا بظبية عضباء [ (٢) ] ترتع قريبا مني، فوثبت إليها، فقال الرجل الّذي لحقنا: خلّ سبيلها لا أبا لك، واللَّه لقد رأيتها ونحن نسلك هذه الطرق ونحن عشرة أو أكثر من ذلك فيختطف بعضنا فما هو إلا أن كانت هذه الظبية فما هاج بها أحد فأبيت وقلت: لا لعمر اللَّه لا أخلها، فارتحلنا وقد شددتها حتى إذا ذهب سدف [ (٣) ] من الليل إذا هاتف يقول:

يا أيها الركب السراع الأربعه ... خلوا سبيل النافر المفزعة

خلوا عن العضباء في الوادي سعه ... لا تذبحن الظبية المروّعه

فيها لأيتام صغار منفعة

قال: فخليت سبيلها ثم انطلقنا حتى أتينا الشام، فقضينا حوائجنا ثم أقبلنا حتى إذا كنا بالمكان الّذي كنا فيه هتف هاتف من خلفنا:

إياك لا تعجل وخذها من ثقه ... فإن شر السير سير الحقحقة [ (٤) ]

قد لاح نجم فأضاء مشرقه ... يخرج من ظلماء ضوق [ (٥) ] موبقة [ (٦) ]

ذاك رسول مفلح من صدّقه ... اللَّه أعلا أمره وحققه


[ (١) ] السّغب: الجوع الشديد، وفي التنزيل: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [البلد: ١٤] .
[ (٢) ] قال الزمخشريّ: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء: أي قصيرة اليد.
[ (٣) ] السدف: ظلمة الليل، وهو بعد الجنح. (القاموس المحيط) : ١٩/ ١٤٦.
[ (٤) ] الحقحقة: سير الليل في أوله، وقد نهي عنه (المرجع السابق) : ١٠/ ٥٨.
[ (٥) ] ضوق من الضيقة، وهي منزلة للقمر، وهو مكان نحس على ما تزعم العرب (المرجع السابق) :
١٠/ ٢٠٩.
[ (٦) ] موبقة: مهلكة: (المرجع السابق) : ١٠/ ٣٧٠.