والمحدثين، والنظار والمتكلمين، لا يلمون بأخبار اليهود، فينصبون الكلام معهم جدلا، وإلا فاليهود إذا نوظروا بما في كتبهم من محنهم تبين لمناظرهم أنه ليس معهم خبر يصح، فكيف يدعى فيه التواتر؟ ومع ذلك ففي توراتهم نصوص كثيرة وردت مؤبدة، ثم تبين أن المراد بها التوقيت بمدة مقدرة، كقوله: إذا خربت صور لا تعمر أبدا، ثم عمرت بعد خمسين عاما.
ومنها إذا خدم العبد سبع سنين أعتق، فإن لم يقبل العتق استخدم أبدا، ثم أمر بعتقه بعد مدة معينة سبعين سنة، فإذا جاز في هذه النصوص المؤبدة أن يراد بها التوقيت فلم لا يجوز في نص موسى على تأييد شريعته بتقدير صحته؟ وإلا فما الفرق؟.
فإن قيل: إذا جاز أن يكون نصّ موسى المؤبد مؤقتا حتى جاز نسخ شرعته، جاز أن يكون نص محمد صلّى اللَّه عليه وسلم على تأبيد شريعته مؤقتا فيجوز نسخها بعده بغيره، وأنتم أيها المسلمون تأبون ذلك؟.
قلنا: لا يلزم ذلك، والفرق بين النّصّين أن كتاب موسى الّذي بيدكم الآن قد بينا أنه غير متواتر، بخلاف كتاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم الّذي هو القرآن، فتواتره عندنا وعندكم غير خاف على علمائكم.
ونشترك معكم فنقول: قد ورد في توراتكم نصوص بلفظ التأبيد والمراد بها التوقيت كما بينا طرفا منها، بخلاف القرآن فإنه لم يرد بذلك، فلم يرد مثله في نصه- بحمد اللَّه- وها هو قد طبق الأرض، واجتهدتهم أنتم وغيركم في نقضه، فلم تطيقوا ذلك، فإن اللَّه قد حفظه من التحريف والتبديل والتغيير فيه بزيادة أو نقصان، بخلاف توراتكم، وها أنا أبين حقيقة توراتكم وأنها ليست بالتوراة التي أنزلها اللَّه على موسى عليه السلام واللَّه المعين الموفق.