لا بفعل النبي، وإن كانت أفعال العباد عند المعتزلة صادرة عنهم، إلا أن المعجزة لا تكون من جنس أفعالهم، وليس للنّبيّ فيها عند الجميع إلا التحدي بها بإذن اللَّه، وهو أن يستدل بها النبي قبل وقوعها على صدقة في مدعاه، فتنزل منزلة القول الصريح من اللَّه بأنه صادق، وتكون دلالتها على الصدق قطعية، فالمعجزة الدالة مجموع الخارق والتحدي، ولذلك كان التحدي جزءا منها، والتحدي هو الفارق بينهما وبين الكرامة والسحر، إذ لا حاجة إلى التصديق، ولا وجود للتحدي، إلا أن وجد اتفاقا.
وإن وقع التحدي في الكرامة عند من يجيزها وكانت لها دلالة، فإنما هي على الولاية، وهي غير النبوة، ومن هنا منع الأستاذ أبو إسحاق وغيره وقوع الخوارق كرامة فرارا من الالتباس بالنّبوّة عند التحدي بالولاية.
ومنع المعتزلة أيضا من وقوع الكرامة، لأن الخوارق عندهم ليست من أفعال العباد، وأفعالهم لهم معادة، ولا خارق.
وعند الحكماء: أن الخارق من فعل النبي، ولو كان في غير محل القدرة، وبنوا ذلك على مذهبهم في الإنجاب الذاتي، ووقوع الحوادث بعضها عن بعض متوقف على الشروط والأسباب الحادثة، مستندة أخيرا إلى الواجب بالذات [الفاعل] [ (١) ] لا بالاختيار، وأن النفس النبويّة عندهم لها خواص ذاتية، منها:
صدور هذه الخوارق بقدرته وطاعة العناصر له في التكوين، والنبي عندهم مجبول على التصريف في الأكوان، متى توجه إليها واستجمع لها بما جعل اللَّه له من ذلك.
والخارق عندهم يقع للنّبيّ، كان التحدي أو لم يكن، وهو شاهد بصدقة من حيث دلالته على تصرف النبي في الأكوان، الّذي هو من خواص النفس النبويّة عندهم، لا تنزل منزلة القول الصريح بالتصديق، فلذلك لا تكون دلالتها قطعية كما هي عند المتكلمين، ولا يكون التحدي جزءا من المعجزة، ولم يصبح فارقا لها عن السحر والكرامة.
وفارقها عندهم عن السحر: أن النبي مجبول على أفعال الخير مصروف عن أفعال الشر، ولا يلم الشر بخوارقه.