للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من كلامكم، فرموه بحزوق شعرهم، ومؤلف سجعهم، وبديع نثرهم، فما أحاطوا به تشبيها، ولا قاربوه تأليفا، حتى إنهم جعلوا يستروحون إلى أن يقولوا لصغارهم وأغبيائهم: هذا القرآن شعر! وتقول طائفة أخرى: هو سحر! ليعذروا في تأخرهم عن الجواب والمعارضة.

هذا وقد علموا بأنه مخالف للسحر، ومباين للشعر، كما سنورده إن شاء اللَّه بالأسانيد، فهم ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يزل يقرعهم ويوبخهم بانقطاعهم وعجزهم، فيقرأ عليهم قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ (١) ] ، وقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ (٢) ] ، وقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ (٣) ] ، وقوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [ (٤) ] .

وهم يألمون لما يسمعون من التوبيخ، وقلقون لما يعلمون من وقوع الحجة بهم عند الاعتراف بالعجز، فلما أبوا إلا عناد الحق، دعاهم ذلك إلى القتال، ولو وصلوا إلى أن يعارضوا لخصموا الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وظهروا عليه، واستغنوا عن قتاله، فلما صبروا للحروب وبذل النفوس، والجلاء عن الديار، وذهاب الأموال والأولاد، كان في ذلك أعظم دليل وأوضح برهان على إعجاز القرآن للعالمين، وامتناعه عن قدر المخلوقين.


[ (١) ] يونس: ٣٨.
[ (٢) ] هود: ١٣.
[ (٣) ] البقرة: ٢٣.
[ (٤) ] الإسراء: ٨٨.