كتاب إمتاع الأسماع

فصل في [ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا صلى الله عليه وسلم ومقابلة ما أوتوا من الآيات بما أوتي عليه السلام] - وأما إبراهيم عليه السلام - ج: 4 - ص: 190

لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [ (١) ] بونا كبيرا: ذلك طمع في المغفرة، وهذا غفر له بيقين.

وكذا قوله [تعالى عن الخليل عليه السلام] [ (٢) ] : وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ [ (٣) ] ، مع قوله [تعالى عن نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (٢) ] : يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [ (٤) ] ، تجده ابتدأ محمدا [صلّى اللَّه عليه وسلم] بالبشارة قبل السؤال.

وكذا قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ [ (٥) ] والخليل قال: حَسْبِيَ اللَّهُ [ (٦) ] ، تجد بين المقامين بونا كبيرا.

وكذلك قول الخليل: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [ (٧) ] ، مع قوله تعالى لمحمد [صلّى اللَّه عليه وسلم] : وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (٨) ] ، يظهر لك شرف مقامه، لأنه أعطي بلا سؤال.

[وكذا] [ (٩) ] قول الخليل: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [ (١٠) ] ، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم قيل له: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (١١) ] وفي ذلك تنبيه على علوّ مقام المصطفى ورفيع مكانته صلّى اللَّه عليه وسلم.

وأما الذبيح: فإن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم حصل له من شق صدره المقدس ما هو من جنس ما أوتيه الذبيح، فإن الذبيح إسماعيل عليه السلام، صبر على مقدمات الذبح:

شد وثاقه، وتله للجبين، وإهواء أبيه بالمدية إلى منحره، [فوفى] [ (١٢) ] بما وعد به من قوله: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [ (١٣) ] .

وكان لنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك أوفى مقام من الصبر وأجلّ، لأن الّذي حصل من الذبيح إنما هو الصبر على مقدمات الذبح فقط، والمصطفى [صلّى اللَّه عليه وسلم صبر] [ (١٤) ] على شق صدره، واستخراج قلبه، ثم شقه، ثم استخراج العلقة، ثم غسله، ثم إطباقه، ثم وضعه، ثم إحاطة صدره.

---

[ (١) ] الفتح: ٢.
[ (٢) ] زيادة للبيان.
[ (٣) ] الشعراء: ٨٧.
[ (٤) ] التحريم: ٨.
[ (٥) ] الأنفال.
[ (٦) ] الزمر: ٣٨.
[ (٧) ] الشعراء: ٨٤.
[ (٨) ] الشرح: ٤.
[ (٩) ] زيادة للسياق.
[ (١٠) ] إبراهيم: ٣٥.
[ (١١) ] الأحزاب: ٣٣.
[ (١٢) ] زيادة للسياق.
[ (١٣) ] الصافات: ١٠٢.
[ (١٤) ] زيادة للسياق والبيان.