للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى إذا دنا منه رجع مبهوتا منتقعا لونه من [هول] ما قد يبست يداه على حجره، فلما سأله قومه ما له قال: لما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل. لا واللَّه ما رأيت مثل هامته ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط، فهم أن يأكلني.

وقد اختار موسى عليه السلام سبعين رجلا من قومه لينفذوا معه إلى ربه تعالى، فلما صاروا في البرية غلب عليه- عليه السلام- روح القرب، فأسرع إلى ربه وترك قومه، فقال له تعالى:

وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى * قالَ هُمْ [أُولاءِ] [ (١) ] عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [ (٢) ] ، فعبّر عليه السلام عن قصده في العجلة بطلب رضى اللَّه تعالى.

ونبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، أعظم اللَّه شأنه في آيتين، أعلمه فيهما رضاه عنه، وأعطاه سؤله ومناه من غير سؤال منه في ذلك ولا رغبة تقدمت منه، فقال تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [ (٣) ] ، وقال تعالى:

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [ (٤) ] ، فمنحه اللَّه رضاه، وأعطاه مناه، في جميع ما يهواه ويتمناه، وغيره من الأنبياء سألوا وطلبوا رضا مولاهم، ومع ذلك فقد خصه اللَّه تعالى مع الرضا بالرحمة والرأفة، فقال تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [ (٥) ] ، وكان رقيق القلب صلّى اللَّه عليه وسلم فأمر اللَّه تعالى موسى بالملاينة لفرعون لما كان عليه من الغلظة، فقال: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً [ (٦) ] ، فذكر تعالى الملاينة، وأمر محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم بضدّ ذلك فقال تعالى: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [ (٧) ] ، لما خصّه به من الرحمة والرأفة واللين، كما قال تعالى: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (٨) ] .

وقد أكرم اللَّه تعالى موسى بأن قال له: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [ (٩) ] ، قال بعضهم: أحببت إليك عبادتي. وقال آخر: جعل اللَّه بين عينيه نورا لا ينظر إليه أحد إلا أحبه. وقيل: أسكنت بين عينيك ملاحة تسبى بها من رأيته. وقد أوتي نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم من نظائر هذه الكرامة أشياء منها: أن اللَّه تعالى أقسم بالضحى والليل إذا سجى، أنه ما ودعه وما قلاه.


[ (١) ] تكملة سياق الآية.
[ (٢) ] طه: ٨٣- ٨٤.
[ (٣) ] البقرة: ١٤٤.
[ (٤) ] الضحى: ٥.
[ (٥) ] آل عمران: ١٥٩.
[ (٦) ] طه: ٤٤.
[ (٧) ] التوبة: ٧٣، التحريم: ٩.
[ (٨) ] التوبة: ١٢٨.
[ (٩) ] طه: ٣٩.