للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيكون طيرا بإذن اللَّه، وكان لنبينا [صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (١) ] نظير ذلك.

فإن عكاشة انقطع سيفه يوم بدر، فدفع له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قضيبا من حطب، قال: قاتل بهذا، فعادل سيفا في يده شديد المتن أبيض الحديدة طويل القامة فقاتل به، حتى فتح اللَّه على المسلمين، ثم لم يزل يشهد به المشاهد إلى أيام الردّة.

فالمعنى الّذي أمكن به نبينا أن تصير الخشبة حديدا يبقى على الأيام، هو المعنى الّذي خلق به عيسى من الطين كهيئة الطير، بل ذلك أعظم وأبدع، فإنه لم يعهد قط أن الحديد يخرج من الخشب، وقد عهد أن الحيوان يتكون من الطين.

وأيضا فإن هذا الحديد القاطع الّذي تولد من الخشب بقي أعواما كثيرة، ولم ينقل أن الطير الّذي خلقه عيسى من الطين بقي لذلك، ومع هذا فقد سمع التسبيح من الحجارة الصم في يد نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم، وشهدت الأشجار والأحجار له بالنّبوّة، واجتمعت الأشجار والتزمت ثم افترقت عن أمره لها، وكل هذا يجانس إحياء الموتى، وطيران الطيور من الطين كهيئة الطير.

وقد كان عيسى يبرئ الأكمه والأبرص، ولنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك، فقد ردّ عين قتادة بعد ما ندرت وسالت على خده، ونفث في عيني رجل قد ابيضتا فأبصر، وبصق في عين رفاعة بن رافع وقد فقئت عينه بسهم فلم يؤده منها شيء، وتفل في عين على رضي اللَّه عنه وهو أرمد فبرئ من ساعته وما اشتكى عينيه بعد، ومسح صلّى اللَّه عليه وسلم بيده على عدة من المصابين والمرضى فبرءوا.

وقد كان عيسى يحي الموتى بإذن اللَّه، ولنبينا من هذا المعنى ما هو أعجب وأغرب، فقد أحيا شاة جابر، وأحيا اللَّه تعالى لامرأة ولدها ببركته، [وكلمته] [ (٢) ] صلّى اللَّه عليه وسلم ذراع الشاة [المسمومة] [ (٢) ] ، وتكليم الذراع أغرب، لأن حياة العضو المبان وتكليمه أعجب من حياة الذات الكاملة، لأن الحياة عهدت منها، وقد تكلم جماعة بعد الموت بخلاف العضو من الحيوان، لا سيما بعد طبخه بالنار.


[ (١) ] زيادة للسياق.
[ (٢) ] زيادة للسياق والبيان.