للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ [ (١) ] ذلك بأنهم قالوا لبني قريظة والنضير:

سنطيعكم في بعض الأمر، فأخرج اللَّه أسرارهم لنبيه. ونظائر ذلك مما أطلع اللَّه عليه نبيه مما أسرّه اليهود والمنافقون في القرآن كثير.

وهذا مما لا يجوز أن يكون وقوعه بطريق الاتفاق، ولا هو مما لا تصل قدر البشر إلى معرفته، فلم يبق إلا أن يكون أطلع اللَّه نبيه عليه، مما أسره اليهود والمنافقون وأعلمه به، وأين إعلام المسيح أصحابه بما يأكلون، وإخباره لهم بما [يدخرون] [ (٢) ] ، من إعلام الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم هذه الحوادث العظيمة، والغيوب البديعة قبل كونها؟

قال الحافظ أبو نعيم: ووجه الدلالة في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالغيوب على صدق نبوته، وثبوت رسالته، أن مولده ومنشأه في قوم أميين، لم يتعاظموا علما بالنجوم، ولا حكما بالطوالع والكواكب، حسب ما يستنبطه المنجمون، ولا عرف هو بطلب شيء من ذلك في بلده ولا في أسفاره، وكانت الكهانة بطلت بمبعثه، ولم يكن له علم بالغيوب، إلا بوحي يأتيه به جبريل عن اللَّه تعالى.

ولو كان في قومه وبلده المنجمون والمستنبطون وهو لم يخالطهم، ولا عرف بالأخذ عنهم، وأخبر ما أخبر به من الغيوب لكان ذلك دلالة على نبوته ومعجزة له إذا أخفى ذلك على عشيرته وخلطائه لمفارقة تلك العادات، وليس بجائز أن يكون إخباره مأخوذا عن الشياطين مع ما جاء به من سبّهم ولعنهم، فثبت بهذا أن الإخبار فيما أخبر به من الغيوب عن اللَّه تعالى.

وأما ما اعترض به بعض الملاحدة والكفرة بأنه لم يأت بآية قاطعة محتجا بقوله تعالى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [ (٣) ] ، وما أشبهه من الآي، فكيف وقد ورد القرآن بقوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ


[ (١) ] محمد: ٢٥- ٢٦.
[ (٢) ] زيادة للسياق.
[ (٣) ] الإسراء: ٥٩.