أحدهما: منع الملازمة، قالوا: لا نسلّم أنه لو كان من عند غير اللَّه لاختلف [فيه] [ (١) ] ، لأن كثيرا من الناس تكلموا فلم يختلف كلامهم لتحرزهم عن المتناقض فيما يقولونه، فجاز أن يكون محمد [كذلك] [ (١) ] أنشأ القرآن وتحرز من اختلافه، ولا جرم [جاء متسقا] [ (١) ] غير مختلف.
الثاني: منع انتفاء اللازم، قالوا: لا نسلم أن الاختلاف لم يقع فيه، بل فيه اختلاف كثير قد قرره الطاعنون.
والجواب عن الأول: أن مراد الكفار يعني اللَّه في قولهم: القرآن من عند غير اللَّه هو محمد، ومن أملى عليه القرآن كرحمان اليمامة ونحوه فيما زعموا، وهذان الرجلان كانا أميين، لا أنسة لهما بالكتب، ولا بدراسة الحكمة، وخلوّ كلام مثلهما عن الاختلاف.
وإن لم يكن محالا لذاته فهو محال في العادة أن أميا يأتي بمثل هذه المعاني المفحمة، في مثل هذه الألفاظ الجزلة، والجمل الكثيرة، ولا يقع الاختلاف في كلامه، وقلّ في العالم متكلم لم يستند إلى تأييد إلهي تكلم فلم يختلف كلامه، فلما رأينا هذا الكلام على قرب تناوله، وبعد مغزاة، وكثرته في نفسه غير مختلف، استدللنا بحكم العادة على أنه ليس من عند غير اللَّه.
والجواب عن الثاني: أن ما ظنه الطاعنون اختلافا في القرآن ليس اختلافا في نفس الأمر، لأن شرط الاختلاف والتناقض بين كل قضيتين، أن يتفقا في الزمان، والمكان، والموضوع، والشرط، والجزاء، والكل، والقوة، والفعل، ونحو ذلك من شروط التقابل إن وجد، وليس في القرآن قضيتان تقابلتا [كذلك] [ (١) ] ، بل لا بدّ من اختلافهما بزمان أو مكان أو غيره من الشروط.