للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أي من مثل محمد صلّى اللَّه عليه وسلم تنبيه على وجه صدقه، وهو أن صدور مثل هذا الكلام المعجز للخلق عن أمّي لا يقرأ ولا يكتب، يدل على صدقه قطعا، كما أن قلب العصا حيّة، وإحياء الموتى ممن لم يشتغل بعلم السحر ولا الطب يدل على صدقه.

وقوله: وَلَنْ تَفْعَلُوا [ (١) ] : معجز معترض في هذا الاستدلال، لأنه إخبار عن غيب، فإنّهم لا يعارضون القرآن، وكان كما قال. ولقد كان هذا مما يقوي دواعيهم في تعاطيهم المعارضة، فلو قدروا عليها لفعلوها ثم يكذبوه في خبره، وقالوا:

زعمت أنّا لن نفعل، وها نحن قد فعلنا، فلما لم يعارضوه مع توفر الدواعي على المعارضة، دلّ ذلك على العجز والإعجاز، فقد تبين أن الإعجاز في القرآن بذاته، ويكون أهل البلاغة من العرب صرفوا عن معارضته.

وقد ذهب إلى هذا بعض المتأخرين فقال: الإعجاز بالأمرين، إذ لا مناقضة في الجميع، ألا ترى أن القائل بالصرف يقول: صرف اللَّه دواعي الفصحاء عن الفكر في المعارضة لا مع أفكارها؟

وقال ابن عطية: وجه الإعجاز في القرآن إنما هو بنظمه وصحة معانيه، وتوالى فصاحة ألفاظه، ووجه إعجازه أن اللَّه قد أحاط بكل شيء علما، فأحاط بالكلام كله علما، فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته [أية] [ (٢) ] لفظة تصلح أن تلي الأولى، ويتبين المعنى بعد المعنى، عم [ذلك] [ (٢) ] من أول القرآن إلى آخره.

والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول، ومعلوم ضرورة أن بشرا لم يكن قط محيطا، فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة، وبهذا النظر يبطل قول من قال: إن العرب كان في قدرتها أن تأتي بمثل القرآن، فلما جاء محمد صلّى اللَّه عليه وسلم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه.

والصحيح أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين،


[ (١) ] زيادة للسياق.
[ (٢) ] زيادة للسياق.