للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل المصرين: البصرة والكوفة لحفظ لسان العرب وكتب لغتها، لم يأخذوا إلا عن هذه القبائل الوسيطة المذكورة ومن كان معها، وتجنبوا اليمن والعراق والشام، فلم يكتب عنهم حرف واحد، ولذلك تجنبوا حواضر الحجاز: مكة والمدينة والطائف، لأن السبي والتجار من الأمم كثروا فيها وأفسدوا اللغة، وكانت هذه الحواضر في مدة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سليمة لقلة المخالطة.

فمعنى قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها، فنزل القرآن فيعبّر عن المعنى فيه بعبارة قريش [مرة] ، ومرة بعبارة هذيل، ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة، ألا ترى أن «فطر» معناها عند غير قريش ابتدأ خلق الشيء وعمله، فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس رضي اللَّه عنه حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر، فقال أحدهما:

أنا فطرتها، قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قوله تعالى: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ (١) ] ، وقال أيضا: ما كنت أدري معنى قوله: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا [ (٢) ] حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك، أي أحاكمك [ (٣) ] .

وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه وكان لا يفهم معنى قوله تعالى:

أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [ (٤) ] فوقف به فتى فقال: إن أبي يتخوفني حقي، فقال عمر: اللَّه أكبر، أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ، أي على تنقص [ (٥) ] لهم.

وكذلك اتفق لقطبة بن مالك، إذ سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في الصلاة:


[ (١) ] فاطر: ١.
[ (٢) ] الأعراف: ٨٩.
[ (٣) ] وقال الفرّاء: أهل عمان يسمون القاضي: الفاتح. (البحر المحيط) : ٥/ ١١٥، تفسير سورة الأعراف: ٨٩.
[ (٤) ] النحل: ٤٧.
[ (٥) ] قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك. وقال ابن قتيبة: يقال: خوّفته وتخوّفته، إذا تنقصته وأخذت من ماله وجسمه، وقال الهيثم بن عديّ: هو النقص بلغة أزد شنوءة. وفي حديث لعمر أنه سأل عن التخوف، فأجابه شيخ: بأنه التنقص في لغة هذيل. (المرجع السابق) : ٦/ ٥٣٥، تفسير سورة النحل: ٤٧.