جهة التفسير، فظنها قوم من التلاوة، فاختلط الأمر فيه، ولم يسقط مما ترك معنى من معاني القرآن، لأن المعنى جزء من الشريعة، وإنما تركت ألفاظ معانيها موجودة في الّذي أثبت.
ثم إن القراء في الأمصار تتبّعوا ما روي لهم من اختلاف لا يخالف خط المصحف المتميز، فقرءوا بذلك حسب اجتهاداتهم، فلذلك ترتب أمر القراء السبعة وغيرهم، ومضت الأعصار والأمصار على قراءة السبعة، وبها يصلي لأنها ثبتت بالإجماع.
وأما شاذ القراءات فلا يصلي به، وذلك لأنه لم يجمع الناس عليه، فأما المروي منه عن الصحابة وعن علماء التابعين، فلا نعتقد منهم إلا أنهم رووه، وأما ما يؤثر عن [غيرهم] [ (١) ] فلا يوثق به.
وقال أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد القرطبي في تفسيره: قال كثير من علمائنا:
هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست إلا هي حرف السبعة التي اتسعت القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة، وهو الّذي جمع عليه عثمان رضي اللَّه عنه المصحف.
وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القراء، وذلك أن كل واحد منهم اختار مما روي وعلم وجهه من القراءات ما هو الأحسن عنده والأولى، فالتزمه طريقة ورواه، وأقرأ به فاشتهر عنه وعرف به ونسب إليه، فقيل: حرف نافع، وحرف ابن كثير ... ، ولم يمنع واحدا منهم اختيار الآخر ولا أنكره، بل سوّغه، وجوّزه، وكل واحد من هؤلاء السبعة روي عنه اختياران وأكثر، وكل صحيح.
وقد أجمع المسلمون في هذه الأعصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورواه من القرآن، وكتبوا ذلك في مصنفات، فاستمر الإجماع على الصواب، وحصل ما وعد اللَّه تعالى به من حفظ الكتاب، وعلى هذه الأئمة المتقدمون والقضاة، والمحققون، كالقاضي أبي بكر بن الطيب، والطبري وغيرهما.
[ (١) ] ما بين الحاصرتين غير واضح في (خ) ولعلّ ما أثبتناه يناسب السياق.