للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالقرآن الّذي حصّله عنه أبو عبد الرحمن، هو الّذي كان يؤم الناس به في صلاته، فيجدونه موافقا قرآن أبي بكر وعمر وعثمان وسائر المسلمين، ولو وقفوا فيه على زيادة كلمة أو نقصان لفظة، لوافقوا [عليا] [ (١) ] عليها وأثبتوها في المصاحف على قوله، وما يأمر به من رسمه لعلو درجته وارتفاع منزلته، فقد حصّلوا في كلامه المنثور ضمة في حرف وياء في كلمة، فتابعوا حكايتهما عنه، ونسبتهما إليه، فأحد الحرفين الدّهقان [ (٢) ] بضم الدال، والآخر نيرز من النيروز.

قال عياش بن القدح الرياشي: حدثنا أبو عاصم عن معاذ بن العلاء- أخي أبي عمرو بن العلاء- عن أبيه عن جده قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة، أهداها إليّ الدّهقان بضم الدال، ثم أتى بيت المال فقال: خذ خذ، وأنشأ يقول:

[أفلح] [ (٣) ] من كانت له قوصرّة [ (٤) ] ... يأكل منها كل يوم مرة

وقال سليمان بن حرب: حدثني حماد بن مسلمة بن زيد عن التميمي قال: أهدى إلى عليّ فالوذج [ (٥) ] في جام [ (٦) ] يوم النيروز، فقال: ما هذا؟ قال: هذا يوم النيروز، فقال: نيرز، وأكل.

يوم بالياء، قال: فمن ضبط من لفظ عليّ وحصّل من كلامه ضمة نادرة، وياء نادرة، فهو صفيق بأن لا يغفل من قراءته كلمة تنبت، ولفظة تسقط، وحركة تغير، فمن ادعى أن ألفاظه في منثور كلامه ضبطت، وكلماته في قراءته القرآن أضيعت، فقد أخبر بمحال لا يقبله عليم، ولا يشهد بصحته حكيم.

وذكر ابن الأنباري ما ينقل عن أبي بن كعب رضي اللَّه عنه، أنه قرأ كأن


[ (١) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (٢) ] الدّهقان، والدّهقان: التاجر، فارسىّ معرّب. (لسان العرب) : ١٠/ ١٠٧.
[ (٣) ] زيادة للسياق والبيان من المرجع السابق.
[ (٤) ] القوصرّة: وعاء من قصب يرفع فيه التمر من البوادي. قال ابن الأعرابي: العرب تكني عن المرأة بالقارورة والقوصرّة قال ابن بري: وهذا الرجز ينسب إلى الإمام علي عليه السلام، وقالوا: أراد بالقوصرة المرأة، وبالأكل النكاح. (المرجع السابق) : ٥/ ١٠٤.
[ (٥) ] نوع من الحلوى.
[ (٦) ] الجام: هو إناء من فضة، عربي صحيح، قاله ابن سيده. (اللسان) : ١٢/ ١١٢.