للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انطلق معي، قال: فقال: ما أمرك وما أقدمك هذه البلدة؟ قال: قلت له: إن كتمت عليّ أخبرتك، قال: فإنّي أفعل، قال: قلت له: بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه، فقال: أما إنك قد رشدت، هذا وجهي إليه فاتبعني، أدخل حيث أدخل، فإنّي إن رأيت أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامض أنت، فمضى ومضيت معه، حتى دخل ودخلت معه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت له: اعرض عليّ الإسلام، فعرضه عليّ فأسلمت مكاني، فقال لي: يا أبا ذر، اكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل، فقلت: والّذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم.

فجاء إلى المسجد وقريش فيه فقال: يا معشر قريش! إني أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابيء، فقاموا فضربت لأموت، فأدركني العباس فأكبّ علي ثم أقبل عليهم، فقال: ويلكم! تقتلون رجلا من غفار، ومتجركم وممركم على غفار؟ فأقلعوا عني، فلما أصبحت الغد رجعت فقلت مثلما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابيء، فصنع بي مثل ما صنع بالأمس، وأدركني العباس فأكبّ عليّ وقال مثل مقالته بالأمس، فكان هذا أول إسلام أبي ذر رحمه اللَّه.

وخرج مسلم في كتاب المناقب من حديث سليمان بن المغيرة، قال: حدثنا حميد بن هلال عن عبد اللَّه بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا، فحسدنا قومه فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس، فجاء خالنا فنثا [ (١) ] علينا الّذي قيل له، فقلت له: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك في ما بعد، فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا بثوبه فجعل يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فناخر أنيس عن صرمتنا [ (٢) ] وعن مثلها، فأتينا الكاهن فخيّر أنيسا، فأتانا


[ (١) ] نثا: أشاع وأفشى.
[ (٢) ] الصّرمة بكسر الصاد: القطعة من الإبل أو الغنم.