الطويلة، وبعد خراب بيت المقدس مرة بعد مرة، وبقائه خرابا لا ساكن فيه أزيد من مائتي عام وسبعين عاما، وجدوا الشوك الّذي وضع على رأس المسيح عليه السلام، ووجدوا المسامير التي ضربت في يده، والدم الّذي طار من جسده، والخشبة التي صلب عليها بزعمهم.
فلا يدري العاقل ممن العجب؟ أممن اخترع مثل هذه الكذبة، وتجاسر على الحديث بها؟ أم ممن قبلها وصدق بها ودان باعتقادها؟ فيا ليت شعري، كيف بقي ذلك الشوك وذلك الدم وتلك المسامير والخشبة طول تلك المدة؟ وأهل ذلك مطرودون مقتولون بالسيف والرجم بالحجارة والإحراق بالنار لقتل من تستّر بالزندقة في زماننا.
ومع ذلك فإن تلك المدينة خراب منذ عشرات الأعوام لم يسكنها أحد إلا السباع والوحش، وقد شوهد ملوك جلة لهم أعوان وأتباع وأولاد، وشيع وأقارب صلبوا، فما مضت إلا مدة يسيرة حتى لم يبق لأخشابهم التي صلبوا عليها أثر، فكيف بأمر لا طالب له، وبدول قد انقطعت، وبلاد قد أقفرت وخلت، ونسيت أخبارها.
وأما ديانة اليهود: فإنه لم تصف نيّات بني إسرائيل- وموسى عليه السلام حيّ بن أظهرهم- وما زالوا مائلين إلى عبادة الأوثان، وتكذيب شريعتهم كلهم بعد وفاته عليه السلام، إلى انقطاع دولتهم، فكيف أن [يذعن] [ (١) ] لهم غيرهم؟
ولا خلاف بين اليهود والنصارى وسائر الملل كلها في أن بني إسرائيل كانوا في مصر في أشد عذاب يمكن أن يكون من قبل أولادهم، وتسخيرهم في عمل الطوب، والضرب العظيم، والذل الّذي لا يصبر عليه كلب مطلق، فأتاهم موسى عليه السلام يدعوهم إلى فراق هذا الأسر الّذي قتل النفوس أخف منه، وإلى الحرية والملك والغلبة والأمن، ومن المعلوم أن من كان في أقل من تلك الحال فإنه