للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا بحيرا! ما كنت تصنع بنا هذا، فما شأنك اليوم؟ قال: إني أحببت أن أكرمكم ولكم حق، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنّه- ليس في القوم أصغر منه- في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرى إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف، ولا يجد لها عنده، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ويراها مختلفة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال بحيرى: يا معشر قريش! لا يتخلفن منكم أحد عن طعامي، قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنّا في رحالهم، فقال: أدعوه فليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد، مع أني أراه من أنفسكم، فقال القوم: هو واللَّه أوسطنا نسبا، وهو ابن أخي هذا الرجل- يعنون أبا طالب- وهو من ولد عبد المطلب، فقال:

الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف: واللَّه إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرى يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء في جسده، قد كان يجدها عنده من صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم،

قام إليه الراهب فقال:

يا غلام! أسألك باللات والعزى ألا أخبرتني عما أسألك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:

لا تسلني باللات والعزى، فو اللَّه ما أبغضت شيئا بغضهما، قال فباللَّه إلا أخبرتني عما أسألك عنه، قال: سلني عما [بدا لك، فجعل] [ (١) ] يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده، تم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضع الصفة التي عنده، قال: فقبّل موضع الخاتم، وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرا.. وذكر الحديث [ (٢) ] .


[ (١) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) .
[ (٢) ] (سيرة ابن هشام) : ١/ ٣١٩- ٣٢٢، قصة بحير، (طبقات ابن سعد) : ١/ ١٥٣- ١٥٥، (دلائل أبي نعيم) : ١/ ١٦٨ حديث رقم (١٠٨) باب ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الشام في المرة الأولى، وما اشتمل عليه ذلك من الدلائل المتقدمة لنبوته وهو ابن عشر سنين، (تاريخ الإسلام للذهبي) : جزء السيرة النبويّة باب سفره مع عمه ص ٥٨- ٦٠، (دلائل البيهقي) :
٢/ ٢٤- ٢٥، (سنن الترمذي) : كتاب المناقب باب (٣) ما جاء في بدء نبوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (٣٦٢٠) وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.