للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان يخيل إليّ أنها لم تزدد إلا امتلاء. قال: فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بثوبها فبسط، ثم أمر أصحابه فجاءوا من زادهم حتى ملئوا لها ثوبها، ثم قال لها: اذهبي فإنا لم نأخذ من مائك شيئا، ولكن اللَّه عزّ وجلّ سقانا، قال فجاءت أهلها فأخبرتهم فقالت:

جئت من عند أسحر الناس أو أنه لرسول اللَّه حقا، قال: فجاء أهل ذلك الصّرم [ (١) ] حتى أسلموا كلهم.

وخرج البيهقي رحمه اللَّه من حديث يونس بن بكير، عن عباد بن منصور الناجي قال: حدثني أبو رجاء العطاردي، عن عمران بن حصين، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج في سبعين راكبا فسار بأصحابه، وأنهم عرّسوا قبل الصبح، فنام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه حتى طلعت الشمس، فاستيقظ أبو بكر رضي اللَّه عنه فرأى الشمس قد طلعت فسبّح وكبّر، كأنه كره أن يوقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى استيقظ عمر رضي اللَّه عنه، فاستيقظ رجل جهير الصوت، فسبح وكبر ورفع صوته جدا، حتى استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رجل من أصحابه: يا رسول اللَّه! فاتتنا الصلاة، قال: لم تفتكم، ثم أمرهم فركبوا وساروا هنيهة، ثم نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ونزلوا معه، وكأنه كره أن يصلي في المكان الّذي نام فيه عن الصلاة، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ائتوني بماء، فأتوه بجريعة من ماء في مطهرة، فصبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في إناء ثم وضع يده في الماء ثم قال لأصحابه: توضئوا، فتوضأ قريب من سبعين رجلا، ثم أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن ينادى بالصلاة، فنودي بها، ثم قام فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما انصرف إذا رجل من أصحابه قائم، فلما رآه قال له: ما منعك أن تصلي؟ قال: يا رسول اللَّه أصابتني جنابة، قال: فتيمم بالصعيد، فإذا فرغت فصل، وإذا أدركت الماء فاغتسل.


[ (١) ] الصّرم: الأبيات المجتمعة من الناس، وقال الحافظ في (الفتح) : وفي هذه القصة مشروعية تيمم الجنب، وفيها جواز الاجتهاد بحضرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن سياق القصة يدل على أن التيمم كان معلوما عندهم، ولكنه صريح في الآية عن الحدث الأصغر، بناء على أن المراد بالملامسة ما دون الجماع، وأما الحدث الأكبر فليست صريحة فيه. فكأنه كان يعتقد أن الجنب لا يتيمم، فعمل بذلك مع قدرته على أن يسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عن هذا الحكم، ويحتمل أنه كان لا يعلم مشروعية التيمم أصلا، فكان حكمه حكم فاقد الطهورين، ويؤخذ من هذه القصة أن للعالم إذا رأى محتملا أن يسأل فاعله عن الحال فيه ليوضح له وجه الصواب، وفيه التحريض على الصلاة في الجماعة، وفيه حسن الملاطفة، والرّفق في الإنكار. مختصرا من (فتح البخاري) : ١/ ٥٩٤.