للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في قصة تبوك قال: وخرج حين خرج وهو يريد الروم، فكان أقصى أثره منزله من تبوك، وكان ذلك في زمان قل ماؤه، فاغترف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غرفة بيده فمضمض بها فاه، وبصق فيها ففارت عينه حتى امتلأت، وهي كذلك حتى الساعة [ (١) ] .

وخرج من حديث إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق قال: أقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها، ثم انصرف قافلا إلى المدينة، وكان في الطريق ماء يخرج من وشل، ما يروى الراكب والراكبين والثلاث، بواد يقال له: واد المشقّق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقينّ منه شيئا حتى نأتيه.

فسبقه إليه نفر من المنافقين، فاستقوا ما فيه، فلما أتاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم ير فيه شيئا قال: من سبقنا إلى هذا الماء؟ قيل: فلان وفلان [ (٢) ] ، قال: أو لم ننهاهم أن يستقوا منه شيئا حتى نأتيه؟ ثم لعنهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ودعا اللَّه عليهم.

ثم نزل، فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده ما شاء اللَّه أن يصب، ثم نضحه به ومسحه بيده، ودعا اللَّه بما شاء اللَّه أن [يدعو] به، فانخرق الماء كما يقول من سمعه: إن له حسا كحس الصواعق، فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لئن بقيتم- أو من بقي منكم- ليسمعن بهذا الوادي، وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه [ (٣) ] ، [وذلك الماء فوارة تبوك إلى اليوم] [ (٤) ] .

وقال الواقدي في غزوة تبوك: وأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قافلا حتى إذا كان بين تبوك وواد يقال له: وادي الناقة، وكان فيه وشل [ (٥) ] يخرج منه في أسفله قدر ما يروى الراكبين والثلاثة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من سبقنا إلى ذلك الوشل فلا يستقين منه شيئا حتى نأتي.


[ (١) ] (دلائل البيهقي) : ٥/ ٢٣٧.
[ (٢) ] قال السهلي: ذكر لي الواقدي قال: سبقه إليها أربعة من المنافقين هم: معتب بن قشير، والحارث ابن يزيد الطائي، ووديعة بن ثابت، وزيد بن اللصيت.
[ (٣) ] (سيرة ابن هشام) : ٥/ ٢٠٨- ٢٠٩، وادي المشقق وماؤه، والتعليق السابق منه.
[ (٤) ] ما بين الحاصرتين زيادة من (خ) .
[ (٥) ] الوشل: حجر أو جبل يقطر منه الماء قليلا قليلا، والوشل أيضا القليل من الماء.