للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فأكلنا حتى شبعنا، ثم حشونا جربنا، فقال نبيّ اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فهل من وضوء؟

قال: فجاء رجل بإداوة فيها نطفة ماء فأفرغها في قدح، فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشر مائة، قال: ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا: هل من طهور؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فرغ الوضوء [ (١) ] .

وقال البيهقي- رحمة اللَّه عليه-: ورواه عاصم بن عبيد اللَّه، عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، وقال في غزوة تبوك، وروى عن عبد الرحمن ابن أبي عمرة الأنصاري عن أبيه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة، وروى عن أبي حبيش الغفاريّ قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة تهامة حتى كنا بعسفان، فذكر القصة وزاد: ثم أذن بالرحيل فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا، فنزل ونزلوا، وشربوا من ماء السماء. والأحاديث كلها متفقة في دعائه في بقية الأزواد، وإجابة اللَّه تعالى دعاءه بظهور البركة فيها حتى ملئوا أوعيتهم وفضلت فضلة [ (٢) ] .

وخرج مسلم من طريق موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: قال ابن عباس رضي اللَّه عنه: لما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الحديبيّة، كلمه بعض أصحابه فقالوا:

جهدنا وفي الناس ظهر فانحره لنا فنأكل من لحومه، ولندهن من شحومه، ولنحتذي من جلوده، فقال عمر بن الخطاب: لا تفعل يا رسول اللَّه، فإن الناس إن يكن


[ (١) ] (مسلم بشرح النووي) : ١١/ ٢٧٦- ٢٧٨، كتاب اللقطة، باب (٥) استحباب خلط الأزواد إذا قلت والمؤاساة فيها، حديث رقم (١٧٢٩) ، وربضة العنز: أي كمبركها، أو كقدرها وهي رابضة، قوله: ندغفقه دغفقة: أي نصبّه صبّا شديدا، وفي هذا الحديث معجزتان ظاهرتان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هما تكثير الطعام، وتكثير الماء هذه الكثرة الظاهرة، قال المازري في تحقيق المعجزة: في هذا أنه كلما أكل منه جزء أو شرب جزء، خلق اللَّه تعالى جزءا آخر، وفي هذا الحديث استحباب المواساة في الزاد، وجمعه عند قلته، وجواز أكل بعضهم مع بعض في هذه الحالة، وليس هذا من الربا في شيء، وإنما هو من نحو الإباحة، وكل واحد مبيح لرفقته الأكل من طعامه، وسواء تحقق الإنسان أنه أكل أكثر من حصته أو دونها أو مثلها، فلا بأس بهذا، لكن يستحب له الإيثار والتعلل، ولا سيما إن كان في الطعام قلة، واللَّه تعالى أعلم، مختصرا من (المرجع السابق) : ٢٨٧- ٢٨٨، (دلائل البيهقي) : ٤/ ١١٨- ١١٩.
[ (٢) ] (دلائل البيهقي) ٥/ ٢٣٠- ٢٣١.