للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلينثره على الأنطاع، قال أبو شريح الكعبيّ: فلقد رأيت من يأتي بالتمرة الواحدة، وأكثرهم لا يأتي بشيء، ويؤتي بالكف من الدقيق والكف من السويق، وذلك كله قليل، فلما اجتمعت أزوادهم، وانقطعت موادّهم،

مشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليها، فدعا فيها بالبركة، ثم قال: قربوا أوعيتكم فجاءوا بأوعيتهم.

قال أبو شريح: فأنا حاضر، فيأتي الرجل فيأخذ ما شاء من الزاد، حتى أن الرجل ليأخذ ما لا يجد له محملا، ثم أذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالرحيل، فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا وهم صائفون، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونزلوا معه، فشربوا من ماء السماء [ (١) ] ، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخطبهم، فجاء ثلاثة نفر، فجلس اثنان مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وذهب واحد معرضا،

فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا أخبركم خبر الثلاثة؟

قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: أما الأول فاستحيا، فاستحيا اللَّه منه، وأما الآخر فتاب فتاب اللَّه عليه، أما الثالث فأعرض فأعرض اللَّه عنه [ (٢) ] .

وخرج الإمام أحمد- رحمه اللَّه- من حديث الأوزاعي قال: حدثني أبي قال:

كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة، فأصاب الناس مخمصة فاستأذن الناس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في نحر بعض ظهرهم وقالوا: يبلغنا اللَّه به، فلما رأى عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد همّ أن يأذن لهم في نحر ظهرهم.

قال: يا رسول اللَّه! كيف بنا إذا لقينا العدو غدا جياعا رجالا، ولكن إن رأيت يا رسول اللَّه، أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم، فتجمعها ثم تدعو اللَّه فيها بالبركة، فإن اللَّه تبارك وتعالى سيبلغنا بدعوتك- أو قال: سيبارك لنا في دعوتك- فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الناس ببقايا أزوادهم.

فجعل الناس يجيئون بالحفنة- وقال بعضهم: بالحثية- من الطعام وفوق ذلك، وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم قام فدعا ما شاء اللَّه أن يدعو، ثم دعا الجيش بأوعيتهم، وأمرهم أن يجيشوا [ (٣) ] ، فما


[ (١) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «من الماء» .
[ (٢) ] (مغازي الواقدي) : ٢/ ٦١٦- ٦١٧.
[ (٣) ] كذا في (خ) ، وفي (مسند أحمد) : «يحتثوا» .