للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكة، لم يعلم أهل مكة أين وجّه، حتى سمعوا مغردا بين أخشبي [ (١) ] مكة يقول:

جزى اللَّه خيرا والجزاء بكفه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد

هما نزلا بالهدى واهتديا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد

ليهنئ بني كعب مكان فنائهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد [ (٢) ]

قال ابن إسحاق: فعرف أهل مكة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم توجه قبل المدينة.

وقال الواقدي: حدثني حزام بن هشام عن أبيه عن أم معبد- واسمها عاتكة بنت خالد بن حبيب- قالت: لما طلعوا الأربعة على راحلتين، نزلوا بنا، فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشاة أريد أن أذبحها، فإذا هي ذات در، فأدنيتها منه فلمس ضرعها فقال: لا نذبحها،

فأرسلتها وجئت بأخرى فذبحتها فطبخت لهم، فأكل هو وأصحابه، قلت: ومن معه؟ قالت: ابن أبي قحافة ومولى ابن أبي قحافة وابن أريقط- وهو على شركه بعد- قالت: فتغدى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، منها وأصحابه، وسفرتهم منها، ما وسعته سفرتهم، وأبقى عندنا لحمها أو أكثره.

فبقيت الشاة التي لمس ضرعها عندنا حتى كان زمان الرمادة، زمان عمر بن


[ () ] أخذوه لفظا بعد لفظ، عن أبي معبد وأم معبد، ومنها: أن له أسانيد كالأخذ باليد أخذ الولد عن أبيه، والأب عن جده، لا إرسال ولا وهن في الرواة. ومنها: أن الحرّ بن الصباح النخعي، أخذه عن أبي معبد، كما أخذه ولده عنه، فأما الإسناد الّذي رويناه بسياقة الحديث عن الكعبيين، فإنه إسناد صحيح عال للعرب الأعاربة، وقد علونا في حديث الحرّ بن الصباح، (عيون الأثر) : ١/ ١٩٠، (سيرة ابن هشام) : ٣/ ١٤، (دلائل أبي نعيم) : ٢/ ٣٣٧- ٣٤٣، حديث رقم (٢٣٨) .
[ (١) ] الأخشبان: جبلان بمكة.
[ (٢) ] هذه الأبيات في (عيون الأثر) : ١/ ١٨٨- ١٨٩، هكذا:
جزى اللَّه خيرا والجزاء بكفه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد
هما رحلا بالحق وانتزلا به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد
فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبر وأوفى ذمة من محمد
وأكسي لبرد الحال قبل ابتذاله ... وأعطى برأس السابح المتجرد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
وفي بعض المراجع: «السانح» بدلا من «السابح» .