وفي الحديث فضيلة الخل، وأنه سمى أدما، وأنه أدم فاضل جيد. قال أهل اللغة: الإدام بكسر الهمزة: ما يؤتدم به، يقال: أدم الخبز يأدمه بكسر الدال، وجمع الإدام أدم بضم الهمزة والدال ككتاب وكتب. وفيه استحباب الحديث على الأكل تأنيسا للآكلين. وأما معنى الحديث، فقال الخطّابى والقاضي عياض: معناه مدح الاقتصار في المأكل، ومنع النفس عن ملاذّ الأطعمة، تقديره ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعزّ وجوده، ولا تتأنقوا في الشهوات، فإنّها مفسدة للدين، مقسمة للبدن. هذا كلام الخطّابى ومن تابعه، والصواب الّذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه، وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد أخر، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) ، وأخرجه أبو داود في (السنن) : ٤/ ١٦٩- ١٧٠، باب (٤٠) في الخل، حديث رقم (٣٨٢٠) ، (٣٨٢١) كلاهما عن جابر. [ (١) ] (مسلم بشرح النووي) : ١٤/ ٢٥٠، كتاب الأشربة، باب (٣٠) فضيلة الخل والتأدم به، حديث رقم (١٦٧) . وأما قول جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فهو كقول أنس رضى اللَّه عنه ما زلت أحب الدباء، وهذا مما يؤيد ما قلناه في معنى الحديث أنه مدح للخل نفسه، وقد ذكرنا مرات أن تأويل الراويّ إذ لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه، والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء والأصوليين، وهذا كذلك، بل تأويل الراويّ هنا هو ظاهر اللفظ، فيتعين اعتماده. واللَّه تعالى أعلم (شرح النووي على صحيح مسلم) .