للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] قال الحافظ في (الفتح) : وقد ظهرت لي مناسبة بين هاتين الجملتين لم أر من سبق إليها، وهي أن من جملة الباعث على الوشم تغير صفة الموشوم لئلا تصيبه العين، فنهى عن الوشم مع إثبات العين، وأن التحيل بالوشم وغيره مما لا يستند إلى تعليم الشارع لا يفيد شيئا، وأن الّذي قدره اللَّه سيقع.
وأخرجه مسلم من حديث ابن عباس رفعه: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا»
[سيأتي شرحه] .
فأما الزيادة الأولى، ففيها تأكيد وتنبيه على سرعة نفوذها وتأثيره في الذات، وفيها إشارة إلى الرد على من زعم من المتصوفة أن
قوله: «العين حق»
يريد به القدر أي العين التي تجرى منها الأحكام، فإن عين الشيء حقيقته، والمعنى أن الّذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر، إنما هو بقدر اللَّه السابق، لا بشيء يحدثه الناظر في المنظور.
ووجه الرد: أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين، وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور، لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب، إما بما جعل اللَّه تعالى فيها من ذلك وأودعه فيها، وإما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر، وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء، إذ القدر عبارة عن سابق علم اللَّه، وهو لا رادّ لأمره، أشار إلى ذلك القرطبي. وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين، لكنها لا تسبق، فكيف غيرها. (فتح الباري) .
وأخرجه الإمام مسلم في (صحيحه بشرح النووي) : ١٤/ ٤٢٢- ٤٢٤، كتاب السلام، باب (١٦)
الطب والمرض والرقى، حديث رقم (٢١٨٧) ولفظه: «العين حق» ، وحديث رقم (٢١٨٨) بزيادة: «ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا» .
قال الحافظ في (الفتح) : وأما الزيادة الثانية، وهي أمر العائن بالاغتسال عند طلب المعيون منه ذلك، ففيها إشارة إلى أن الاغتسال لذلك كان معلوما بينهم، وأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم، وظاهر الأمر الوجوب، وحكى المازري فيه خلافا وصحح الوجوب وقال متى خشي الهلاك، وكان اغتسال العائن مما جرت العادة الشفاء به فإنه يتعين.
وقد وقع في حديث سهل من حنيف عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف «أن أباه حدثه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء، حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة، اغتسل سهل ابن حنيف- وكان أبيض حسن الجسم والجلد- فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط- أي صرع وزنا ومعنى- سهل. فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل تتهمون به من أحد؟ قالوا: عامر بن ربيعة، فدعا عامرا فتغيّظ عليه، فقال:
علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك برّكت؟ ثم قال: اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه