للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي [ (١) ] ، ثم باع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشترى، ثم أقبل قافلا إلى مكة، ومعه ميسرة، وكان ميسرة- فيما يزعمون- إذا كانت الهاجرة واشتد الحر، يرى ملكين يظلانه من الشمس، وهو يسير على بعيره، فلما قدم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به فأضعفت أو قريبا، وحدثها ميسرة عن قول الراهب، وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه.

وكانت خديجة امرأة حازمة، شريفة لبيبة، مع ما أراد اللَّه [تعالى] بها من كرامته، فلما أخبرها ميسرة عما أخبرها به، بعثت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: فيما يزعمون يا ابن عم؟ إني قدر رغبت فيك لقرابتك منى، وشرفك في قومك، ووسيطتك فيهم، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت خديجة يومئذ أوسط قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم مالا، وكل قومها قد كان حريصا على ذلك منها، لو يقدر على ذلك [ (٢) ] .


[ (١) ] قول الراهب: «ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي» ، قال السهيليّ: «يريد ما نزل تحتها هذه الساعة قط إلا نبي، لبعد العهد بالأنبياء قبل ذلك ... والشجرة لا تعمر في العادة هذا العمر الطويل، حتى يدرى أنه لم ينزل تحتها إلا عيسى صلّى اللَّه عليه وسلّم أو غيره من الأنبياء» .
[ (٢) ] (دلائل النبوة للبيهقي) : ٢/ ٦٦- ٦٧، (سيرة ابن هشام) : ٢/ ٦- ٨، ثم قال في هامشه:
«قول خديجة رضى اللَّه عنها: لسطتك- أو وسيطتك- في عشيرتك» ، وقوله في وصفها: «هي أوسط قريش نسبا» فالسطة: من الوسط، مصدر، كالعدة والزنة، والوسط من أوصاف المدح، والتفضيل، ولكن في مقامين: في ذكر النسب، وفي ذكر الشهادة.
أما النسب، فلأن أوسط القبيلة أعرفها، وأولاها بالصميم، وأبعدها عن الأطراف، وأجدر أن لا تضاف إليه الدعوة، لأن الآباء والأمهات قد أحاطوا به من كل جانب، فكان الوسط من أجل هذا مدحا في النسب بهذا السبب.
وأما الشهادة، فنحو قوله سبحانه: قالَ أَوْسَطُهُمْ، وقوله: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، فكان هذا مدحا في الشهادة، لأنها غاية العدالة في الشاهد أن يكون وسطا