وما حكوا عن عائشة رضى اللَّه عنها: «ما فقدت جسد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» ، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «بينا أنا نائم» ، وقول أنس: «وهو نائم في المسجد الحرام» وذكر القصة، ثم قال في آخرها: «فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام» . وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه إسراء بالجسد، وفي اليقظة، وهذا هو الحق، وهو قول ابن عباس، وجابر، وأنس، وحذيفة، وعمر، وأبى هريرة، ومالك بن صعصعة، وأبى حبّة البدري، وابن مسعود، والضحاك، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن المسيب، وابن شهاب، وابن زيد والحسن وإبراهيم، ومسروق، ومجاهد، وعكرمة، وابن جريج. وهو دليل قول عائشة، وهو قول الطبري، وابن حنبل، وجماعة عظيمة من المسلمين، وهو قول أكثر المتأخرين من الفقهاء، والمحدثين، والمتكلمين، والمفسرين. وقالت طائفة: كان الإسراء بالجسد يقظة من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، وإلى السماء بالروح، واحتجوا بقوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فجعل المسجد الأقصى غاية الإسراء الّذي وقع التعجب فيه بعظيم القدرة والتّمدح بتشريف النبي محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم به، وإظهار الكرامة له بالإسراء إليه، قال هؤلاء: ولو كان الإسراء بجسده إلى زائد على المسجد الأقصى لذكره، فيكون أبلغ في المدح. ثم اختلفت هذه الفرقتان، هل صلّى في بيت المقدس أم لا؟ ففي حديث أنس وغيره ما تقدم من صلاته فيه، وأنكر ذلك حذيفة بن اليمان، وقال: ما زالا عن ظهر البراق حتى رجعا. قال القاضي- وفقه اللَّه- والحق من هذا والصحيح إن شاء اللَّه: أنه إسراء بالجسد والروح في القصة كلها، وعليه تدل الآية وصحيح الأخبار والاعتبار، ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة. وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة، إذ لو كان مناما لقال: بروح عبده، ولم يقل: بعده، وقوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى، ولو كان مناما لما كانت فيه آية