وأنه مخلوق، واختلفوا في قيام المعنى به، فنفاه المعتزلة كدأبهم في نفى الصفات، وأثبته الأشاعرة.
واتفق الأشاعرة والكرامية، على أن الكلام يجب أن يقوم بذاته عزّ وجل، واختلفوا في ذلك الكلام، فقال الأشاعرة: هو المعنى، وقال الكرامية: هو اللفظ، واتفق الكرامية والمعتزلة على أن كلامه سبحانه يجب أن يكون أصواتا وحروفا، واختلفوا بعد ذلك، فقال الكرامية: هو قائم به، وقالت المعتزلة: هو مخلوق في غيره، ولكل فريق من هذه الفرق الثلاثة احتجاجات، ورد ذكرها في غير هذا الكتاب، فإذا تقرر ذلك، فاعلم أن السلف والخلف في أن نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، هل كلم ربه سبحانه وتعالى ليلة الإسراء بغير واسطة؟ أم لا؟
فحكى عن الشيخ أبى حسن الأشعري- رحمه اللَّه- وقوم من المتكلمين، أنه كلّمه، وعزا بعضهم هذا إلى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وإلى عبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه [عنهم] ، ذكره القاضي عياض.
وأشهر قولي أهل الحديث أنه كلمه ربه تعالى، فسمع خطابه، واستدلوا على ذلك بقوله [في] حديث الإسراء،
فنوديت: أن قد أتممت فريضتي وخففت عن عبادي، يا محمد، إنه لا يبدّل القول لدى، هي خمس، وهي خمسون،
قالوا: فمثل هذا لا يقوله إلا رب العالمين، كما في قوله لموسى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [ (١) ] .
قال علماء السلف وأئمتهم: هذا من أدلّ الدلائل على أن كلام اللَّه غير مخلوق، لأن هذا لا يقوم بذات مخلوقة، وقال جماعة منهم: من زعم أن قوله تعالى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي، مخلوق، فهو كافر، لأنه