للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرسه في الأرض إلى بطنه، ووثب عنه وقال: يا محمد! قد علمت أن هذا عملك، فادع اللَّه أن يخلصني مما أنا فيه، ولك عليّ لأعمينّ على من ورائي، وهذه كنانتي فخذ سهما منها، فإنك ستمر على إبلي وغلماني [بمكان] كذا وكذا، فخذ منها حاجتك، قال: لا حاجة لي في إبلك.

فقدمنا المدينة ليلا، فتنازعوا أيهم ينزل عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم:

انزل على بنى النجار أخوال عبد المطلب، أكرمهم بذلك، فصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمان والخدم في الطريق ينادون: يا محمد، يا رسول اللَّه [ (١) ] ... يا محمد يا رسول اللَّه! وخرّج البخاري في المناقب، من حديث إسرائيل بمعناه، وذكر نحوا أو


[ (١) ] (مسلم بشرح النووي) : ١٨/ ٣٥٧- ٣٥٨، كتاب الزهد والرقائق، باب (١٩) في حديث الهجرة، الحديث الّذي يلي الحديث رقم (٣٠٠٩) ، بدون رقم.
قال الإمام النووي: وهذا الحديث مما يسأل عنه، فيقال: كيف شربوا اللبن من الغلام وليس هو مالكه؟ وجوابه من أوجه:
أحدها: أنه محمول على عادة العرب أنهم يأذنون للرعاة إذا مرّ بهم ضيف أو عابر سبيل أن يسقوه اللبن ونحوه.
الثاني: أنه كان لصديق لهم يدلون عليه، وهذا جائز.
الثالث: لعلهم كانوا مضطرين، والجوابان الأولان أجود.
وفي هذا الحديث فوائد، منها: هذه المعجزة الظاهرة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفضيلة ظاهرة لأبى بكر رضى اللَّه عنه من وجوه.
وفيه خدمة التابع للمتبوع، وفيه استصحاب الركوة والإبريق ونحوهما في السفر للطهارة والشرب.
وفيه فضل التوكل على اللَّه سبحانه وتعالى وحسن عاقبته، وفيه فضائل للأنصار لفرحهم بقدوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وظهور سرورهم به، وفيه فضيلة صلة الأرحام، سواء قربت القرابة والرحم أم بعدت، وأن الرجل الجليل إذا قدم بلدا له فيه أقارب ينزل عندهم يكرمهم بذلك. واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) .