للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشير صلّى اللَّه عليه وسلّم، إلى أن المعجزة متى كانت بهذه المثابة في الموضوع، وقوة الدلالة، وهي كونها نفس الوحي، كان المصدق لها أكثر لوضوحها، فكثر المصدق المؤمن، وهم التابع والأمة. واللَّه تبارك وتعالى أعلم.

ويدلك هذا، على أن القرآن من بين الكتب [الإلهية] ، إنما تلقاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتلا كما هو، بكلماته وتراكيبه، بخلاف التوراة والإنجيل، وغيرهما من الكتب الإلهية، فإن الأنبياء عليهم السلام يتلقونها في حال الوحي، معاني يعبرون عنها بعد رجوعهم إلى الحالة البشرية، بكلامهم المعتاد لهم، ولذلك لم يكن فيها إعجاز، واختص الإعجاز بالقرآن الكريم.

وكان تلقى الأنبياء لكتبهم، مثل ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتلقى المعاني التي يسندها إذا حدث بها إلى اللَّه تعالى، ويشهد لتلقيه صلّى اللَّه عليه وسلّم القرآن متلوا قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ

[ (١) ] ، أي محمد لا تحرك بالقرآن لسانك عجلان، خائفا أن يفوتك، ويزول حفظه عن قلبك، إن علينا أن نجمعه في نفسك، حتى تقرأه بلسانك، فإذا أنزلناه عليك فاستمع قراءته ثم علينا أن نحفظه، ونبينه بلسانك.

خرج البخاري ومسلم من حديث أبى عوانة، موسى بن أبى عائشة، عن سعيد بن الجبير، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] في قوله عز وجل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ

، قال: [كان] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه، فأنزل اللَّه عز وجل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ

، قال: جمعه في صدرك، ثم تقرأه، فإذا قرأناه فاتبع قراءته، قال: فاستمع، وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل، قرأه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما قرأه. ذكره مسلم [ (٢) ] في كتاب الصلاة،


[ (١) ] القيامة: ١٦- ١٨.
[ (٢) ] (فتح الباري) ،: ١٣/ ٦١١، كتاب التوحيد، باب رقم ٤٣ [بدون ترجمة] ، حديث رقم (٧٥٢٤) ، وزاد عليه بعد قوله: يحرك به شفتيه فقال ابن عباس: أحركهما لك كما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحركهما؟ فقال سعيد: أنا أحركهما كما كان ابن عباس يحركهما فحرك شفتيه.