وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن المؤمن ولو بلغ بالصلاح أن يقطع له بالجنة لا يعصم من الوقوع في الذنب لأن حاطبا دخل فيمن أوجب اللَّه لهم الجنة ووقع منه ما وقع. وفيه تعقب على من تأول أن المراد بقوله: «اعملوا ما شئتم أنهم حفظوا من الوقوع في شيء من الذنوب. وفيه الرد على من كفر مسلما بارتكاب الذنب، وعلى من جزم بتخليده في النار، وعلى من قطع بأنه لا بد وأن يعذب. وفيه من وقع منه الخطأ لا ينبغي له أن يجحده بل يعترف ويعتذر لئلا يجمع بين ذنبين. وفيه جواز التشديد في استخلاص الحق والتهديد بما لا يفعله المهدد تخويفا لمن يستخرج منه الحق. وفيه هتك ستر الجاسوس، وقد استدل به من يرى قتله من المالكية لاستئذان عمر في قتله ولم يردّه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ذلك إلا لكونه من أهل بدر، ومنهم من قيده بأن يتكرر ذلك منه، والمعروف عن مالك يجتهد فيه الإمام، وقد نقل الطحاوي الإجماع على أن الجاسوس المسلم لا يباح دمه وقال الشافعية والأكثر: يعزر، وإن كان من أهل الهيئات يعفى عنه. وفيه العفو عن زلة ذوى الهيئة. وأجاب الطبري عن قصة حاطب واحتجاج من احتج بأنه إنما صفح عنه لما أطلعه اللَّه عليه من صدقه في اعتذاره فلا يكون غيره كذلك. قال القرطبي وهو ظن خطأ لأن أحكام اللَّه في عباده إنما تجرى على ما ظهر منهم، وقد أخبر اللَّه تعالى نبيه عن المنافقين الذين كانوا بحضرته ولم يبح له قتلهم مع ذلك لإظهارهم الإسلام، وكذلك الحكم في كل من أظهر الإسلام تجرى عليه أحكام الإسلام. وفيه من أعلام النبوة اطلاع اللَّه نبيه على قصة حاطب مع المرأة كما تقدم بيانه من الروايات في ذلك. وفيه إشارة الكبير على الإمام بما يظهر له من الرأى العائد نفعه على المسلمين ويتخير الإمام في ذلك. وفيه جواز العفو عن العاصي. -