وقال محمد بن عبد الملك بن هشام، عن زياد بن عبد اللَّه البكائي، عن ابن إسحاق: واذن اللَّه لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك في الهجرة وكان أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه رجلا ذا مال، فكان حين استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الهجرة قال له: لا تعجل، لعل اللَّه يجعل لك صاحبا،
فيطمع [أبو بكر] بأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما يعنى نفسه حين قال ذلك، [فابتاع] راحلتين، فحبسهما في داره يعلفهما إعدادا لذلك.
فحدثني من لا أتهم، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أنها قالت: كان لا يخطئ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يأتى بيت أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أحد طرفي النهار، إما بكرة، وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الّذي أذن اللَّه فيه لرسوله في الهجرة والخروج من مكة، من بين ظهري قومه، أتانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالهاجرة، في ساعة كان لا يأتى فيها،
قالت: فلما رآه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ما جاء رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] هذه الساعة إلا لأمر حدث، قالت: فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليس عند أبى بكر إلا أنا، وأختى أسماء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أخرج عنى من عندك، فقال يا رسول اللَّه: إنما هما ابنتاى، وما ذاك؟ فداك أبى وأمى، قال: إن اللَّه عز وجل أذن لي في الخروج والهجرة.
قالت: فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول اللَّه، قال: الصحبة،
قالت فو اللَّه ما شعرت قط قبل ذلك اليوم، أن أحدا يبكى من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكى يومئذ، ثم قال: يا نبي اللَّه، إن هاتين راحلتان، كنت أعددتهما لهذا.
وفي (طبقات ابن سعد) : أن ثمنها ثمان مائة درهم، اشتراهما من نعم بنى قشير، فأخذ صلّى اللَّه عليه وسلّم القصواء بثمنها.
قال ابن هشام: فاستأجرا عبد اللَّه بن أريقط- رجلا من بنى الديل من بكر، وكانت أمه امرأة من بنى سهم بن عمرو، وكان مشركا يدلهما على الطريق، ودفعا إليه راحلتيهما، وكانتا عنده يرعاهما لميعادهما.