للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى [إلى] أنبيائه وأوليائه وحي، وذلك أضرب حسب ما دل عليه قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ، [الشورى: ٥١] ، وذلك إما برسول مشاهد ترى ذاته ويسمع كلامه كتبليغ جبريل عليه السلام للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في صورة معينة، وإما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى عليه السّلام كلام اللَّه تعالى، وإما بإلقاء في الروع كما ذكر صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إن روح القدس نفث في روعي» وإما بإلهام نحو قوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ، [القصص: ٧] ، وإما بتسخير نحو قوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل: ٦٨] ، وإما بمنام كما قاله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات» . [أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس] . فالإلهام والتسخير والمنام دل عليه قوله تعالى: إِلَّا وَحْياً، [الشورى: ٥١] ، وسماع الكلام من غير معانية دل عليه: مِنْ وَراءِ حِجابٍ وتبليغ جبريل عليه السّلام في صورة معنية دل عليه: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ وقوله تعالى:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ، [الأنعام: ٩٣] ، فذلك ذم لمن يدعى شيئا من أنواع ما ذكرنا من الوحي، أي نوع ادعاه من غير أن حصل له.
وقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ، [الأنبياء: ٢٥] ، فهذا الوحي هو عام في جميع أنواعه، وذلك أن معرفة وحدانية اللَّه تعالى، ومعرفة وجوب عبادته ليست مقصورة على الوحي المختص بأولي العزم من الرسل بل ذلك يعرف بالعقل والإلهام، كما يعرف بالسمع، فإذا القصد من الآية تنبيه أنه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانية اللَّه تعالى ووجوب عبادته.
وقوله: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ، [المائدة: ١١١] ، فذلك وحي بوساطة عيسى عليه السّلام. وقوله: وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ، [الأنبياء: ٧٣] فذلك وحي إلى الأمم بوساطة الأنبياء عليهم السّلام. ومن الوحي المختص بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، [الأنعام: ١٠٦] ، وقوله: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ، [يونس: ٨٧] ، فوحيه إلى موسى بوساطة جبريل، وإلى هارون بوساطة موسى عليه السّلام. وقوله: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ، [الأنفال: ١٢] فذلك وحي إليهم بوساطة اللوح والقلم فيما قبل.