والحق أن البذل على هذه الوظيفة يعتبر أحد الأسباب الرئيسية، التي عجلت يتدهورها وانهيارها، خاصة وأن الأمر لم يعد يقتصر على توليها بالرشوة والبراطيل، وإنما استقر الحال على توليها حسب مصطلح العصر عن طريق البذل، مما أدى إلى كثرة الطامعين فيها وإلى المزايدة عليها فيما بينهم، وبالتالي لم يعد المحتسب بحاجة إلى مجرد تناول رشوة مقنعة أو خفية، وإنما وصل به الحال إلى فرض مقررات شهرية على الباعة والتجار وأصحاب الحرف والصنائع. ولهذا لم يكن عجيبا أن تسير الحسبة بخطي سريعة إلى الهاوية، بسبب تلاعب الجهلة بهذا المنصب الجليل، ففي سنة ٨٠٩ هـ ١٤٠٦ م، والتي يعدها وليها في الشهر الواحد ثلاثة أو أربعة، " بسبب ذلك أنهم فرضوا على المنصب مالا مقررا، فكان من قام في نفسه أن يليه يزن المبلغ ويخلع عليه، ثم يقوم آخر ويزن ويصرف الّذي قبله. وفي رمضان سنة ٧٨٩ هـ/ ١٣٨٧ م، استقر نجم الدين محمد الطنبدى، وكيل بيت المال في حسبة القاهرة، عوضا عن جمال الدين محمود القيصري بحكم انتقاله إلى قضاء العسكر بعد أن سعى فيها بخمسين ألف درهم، قيمتها يومئذ أكثر من ألفى دينار ذهب. ويبدو أن بهاء الدين محمد بن البرجي كان دائب السعي على هذه الوظيفة بدليل أنه عاد إليها في شهر ربيع الأول سنة ٧٩٩ هـ/ ١٣٩٧ م، بمال قام به في ذلك، إذ أنه لم يل قط إلا بمال، فتشاءم الناس من ولايته. وفي شعبان من نفس العام استقر زين الدين شعبان الآثاري في حسبة الفسطاط، عوضا عن نور الدين على بن عبد الوارث البكري بمال التزم به، يبدو أنه استدان أغلبه، لأنه يفهم من المصادر المعاصرة أنه اضطر إلى الفرار من هذا المنصب في شهر ذي القعدة سنة ٨٠٠ هـ ١٣٩٨ م، هربا من مطالبة أرباب الديون بمالهم، فخلع بها على شمس الدين محمد الشاذلى، الّذي كان عاريا من العلم، غاية في الجهل، حتى تولى بالبذل والبراطيل. وحل القرن التاسع الهجريّ لتدخل الحسبة أخطر مراحل تدهورها وانهيارها، بسبب كثرة البذل والسعي عليها، مما نتج عنه عدم استقرار هذه الوظيفة البالغة الأهمية بالنسبة للحياة الاقتصادية، ويكفى للتدليل على ذلك، أنه وليها على مدى هذا القرن مائة وثلاثة وعشرين