للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم! فزاد فيه ست درجات، وخطب الناس فقال:

إني إنما رفعته حين كثر الناس، ولما ولى عبد الملك بن مروان الخلافة، همّ بنقل المنبر، فقال له قبيصة بن ذؤيب: أذكرك اللَّه أن تفعل، إن معاوية حركه فكسفت الشمس!

وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من حلف على منبري كاذبا فليتبوَّأ مقعده من النار [ (١) ] ،

وهو مقطع الحقوق بينهم بالمدينة، فتركه عبد الملك.

فلما ولى الخلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان، وحجّ، همّ بذلك، فأرسل سعيد بن المسيب إلى عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: كلم صاحبك لا يتعرض لذلك، فكلمه، فتركه.

ثم لما كانت خلافة سليمان بن عبد الملك، وحجّ، أخبره عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بما كان من عبد الملك، ومن الوليد، فقال: ما كنت أحب أن يذكر عن أمير المؤمنين عبد الملك هذا، ولا عن الوليد، ما لنا ولهذا؟ أخذنا الدنيا فهي في أيدينا، ونريد أن نعمد إلى علم من أعلام الإسلام يوفد إليه فنحمله، هذا ما لا يصلح [ (٢) ] .

فلما حج أمير المؤمنين محمد المهدي في سنة ستين ومائة، قال لمالك ابن أنس: إني أريد أن أعيد منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى حاله التي كان عليها، فقال له مالك: إنه من طرفاء، وقد سمّر إلى هذه العيدان [وثبت] ، فمتى نزعته خفت أن يتهافت وتهلك، ولا أرى أن تعيده، فانصرف رأى المهدي عن تغييره [ (٣) ] .


[ (١) ] (موطأ مالك) : ٥١٥، ما جاء في الحنث على منبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (١٤٠٦) من حديث جابر بن عبد اللَّه الأنصاري.
[ (٢) ] (المرجع السابق) .
[ (٣) ] قال ابن جرير الطبري: وقسم المهدي في هذه السنة بمكة في أهلها- فيما ذكر- مالا عظيما، وفي أهل المدينة كذلك، فذكر أنه نظر فيما قسم في تلك السفرة فوجد ثلاثين ألف ألف درهم، حملت معه، ووصلت إليه من مصر ثلاثمائة ألف دينار، ومن اليمن مائتا ألف دينار، فقسم ذلك كله وفرق من الثياب مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب، ووسع في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وأمر بنزع المقصورة التي في مسجد الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فنزعت، وأراد أن ينقص منبر رسول اللَّه