للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة. وأما قول القرطبي: لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه، ففيه نظر لقوله في أوله: لما أراد اللَّه أن يعلم رسوله الأذان، وكذا قول المحب الطبري يحمل الأذان ليلة الإسراء على معنى اللغوي وهو الإعلام ففيه نظر أيضا. والحق أنه لا يصلح شيء من هذه الأحاديث.
وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يصلى بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد اللَّه بن عمر ثم حديث عبد اللَّه ابن زيد انتهى. وقد حاول السهيليّ الجمع بينهما فتكلف وتعسف، والأخذ بما صح أولى، فقال بانيا على صحة الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم سمعه فوق سبع سماوات وهو أقوى من الوحي، فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت
فرأى الصحابي المنام فقصها فوافقت ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم سمعه فقال: «إنها لرؤيا حق»
وعلم حينئذ أن مراد اللَّه بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض، وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطلق على لسانه، والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه صلى اللَّه عليه وسلّم التنوية بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفخم لشأنه. انتهى ملخصا.
والثاني حسن بديع، يؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا عبد اللَّه بن زيد حتى أضيف عمر للتقوية التي ذكرها، لكن قد يقال: فلم لا اقتصر على عمر؟ فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة، وقد جاءني رواية ضعيفة سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى لكنها مؤولة فإن لفظة «سبقك بها بلال» فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين برؤيا عبد اللَّه زيد.
ومما كثر السؤال عنه باشر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الأذان بنفسه، وقد وقع عند الهيلى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح برفعه إلى أبى هريرة وليس هو من حديث أبى هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مرة، وكذا جزم النووي بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أذن مرة في السفر وعزاه للترمذي وقواه، ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الّذي أخرجه الترمذي ولفظه «فأمر بلالا فأذن» فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا وأن معنى قوله: «أذن» أمر بلالا به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا، وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرا به.
ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد اللَّه بن الزبير قال: أخذ الأذان من أذان إبراهيم وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ الآية قال: فأذن رسول