وقال: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ وقال ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وقال وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ثم جعل اللَّه تعالى الكعبة لتمام الصلاة والحج والعمرة في القبلة التي لا تقبل صلاة إلا بالقصد نحوها، إليها الحج والعمرة المفروضات، وإنما فرضت الهجرة إلى المدينة قبل فتح مكة، فلما فتحت مكة بطلت الهجرة، وهذه فضيلة لمكة ثم للمدينة وقد أمر صلى اللَّه عليه وسلّم أن لا يسفك بمكة دم وأخبر أن اللَّه تعالى حرمها يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمها الناس، ونهى عن أن يستقبلها أحد أو يستدبرها ببول أو غائط.
وخرج البخاري من حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في حجة الوداع: ألا أي شهر تعلمون أعظم حرمة قالوا: شهرنا هذا. قال: أي بلد تعلمون أعظم حرمة قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: فإن اللَّه حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا، ألا قد بلغت ثلاثة كل ذلك يجيبونه: ألا نعم.
وخرجه أبو بكر بن أبى شيبة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه من طريق أبى معاوية عن الأعمش عن أبى صالح السمان عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: في حجته أتدرون أي يوم أعظم حرمة فقلنا: يومنا هذا، قال: في أي بلد أعظم حرمة فقلنا: بلدنا هذا،
ثم ذكر مثل حديث ابن عمر.
قال الحافظ الفقيه أبو محمد على بن حزم: وقد ذكر هذه الأدلة: وهذا جابر وابن عمر يشهدان أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قرر الناس على أي بلد أعظم حرمة فأجابوه بأنه مكة فصدقهم في ذلك وهذا إجماع من جميع الصحابة في إجابتهم له صلى اللَّه عليه وسلّم بأنه بلدهم ذلك وهم بمكة فمن خالف هذا فقد خالف الإجماع، فصح بالنص والإجماع أن مكة أعظم حرمة من المدينة وإذا كانت أعظم حرمة فهي أفضل بلا شك لأن عظم الحرمة لا يكون إلا للأفضل [ولا بد ولا يكون للأقل] .