علماء الحجاز قال: لا يجزئه ترك الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن تركه أعاد الصلاة، انتهى.
وقد اختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل أيضا، ففي (مسائل المروزي) قيل لأبى عبد اللَّه: إن ابن راهويه يقول: لو أن رجلا ترك الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد، بطلت صلاته، قال: ما أجترئ أن أقول هذا. وقال مرة: هذا شذوذ في مسائل أبى زرعة الدمشقيّ.
قال أحمد: كنت أتهيب ذلك، ثم تبينت فإذا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واجبة، وظاهر هذا أنه رجع عن قوله بعدم الوجوب، وأما قولكم رضي اللَّه عنكم: إن الدليل على الوجوب عمل السلف الصالح قبل الشافعيّ وإجماعهم عليه، فجوابه أن استدلالهم إما أن يكون بعمل الناس في صلاتهم، وإما بقول أهل الإجماع إنها ليست بواجبة، فإن كان الاستدلال بالعمل فهو من أقوى حججنا عليكم، فإنه لم يزل عمل الناس مستمرا قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر على الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في آخر التشهد، إمامهم، ومأمومهم، ومنفردهم، حتى لو سئل كل مصل هل صليت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاتك هذه؟
فقال: لم أصل عليه فيها وعلم المأمور ذلك، لأنكروا عليه، وهذا أمر لا يمكن إنكاره. فالعمل أقوى حجة عليكم فكيف يسوغ لكم أن تقولوا: علم السلف الصالح قبل الشافعيّ ينفى الوجوب؟ أفترى السلف الصالح كلهم؟ ما كان أحد منهم قط يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاته؟ فإن قلتم: نعم كانوا كذلك علم كل أحد بطلان ذلك، وأما إن كان احتجاجكم بقول أهل الإجماع: إنها ليست بفرض، فهذا مع أنه لم يتم عملا لم يعمله أهل الإجماع، وإنما هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما، وغايته أنه قول كثير من أهل العلم، ونازعهم في ذلك آخرون من الصحابة والتابعين وأرباب المذاهب، فهذا ابن مسعود، وابن عمر، والشعبي، ومقاتل بن حيان، وجعفر بن محمد، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل في أحد قوليه، يوجبون الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد، فأين إجماع المسلمين مع خلاف هؤلاء؟ وأين عمل السلف الصالح وهؤلاء من أفاضلهم؟ ولكن هذا من شأن من لم يتبع مذاهب العلماء، حتى يعلم مواضع الإجماع والنزاع.