للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] بمدة ولذلك كان يظن أن النابغة الذبيانيّ أكبر من الجعديّ. وذكر عمر بن شبة عن أشياخه أنه عمر مائة وثمانين سنة، وأنه أنشد عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه:
لبست أناسا فأفنيتهم ... وأفنيت بعد أناس أناسا
ثلاثة أهلين أفنيتهم ... وكان الإله هو المستآسا
فقال له عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: كم لبثت مع كل أهل؟ قال: ستين سنة، وقال ابن قتيبة: عمر بعد ذلك الى زمن ابن الزبير، ومات بأصبهان وله مائتان وعشرون سنة، وذكر المرزباني نحوه إلا قدر عمره، وزاد أنه كان من أصحاب على وله مع معاوية أخبار، وعن الأصمعي أنه عاش مائتين وثلاثين سنة. وروينا في كتاب الحاكم من طريق النضر بن شميل، أنه سئل عن أكبر شيخ لقيه المنتجع الأعرابي، قال: قلت له: من أكبر من لقيت؟
قال: النابغة الجعديّ، قال: قلت له: كم عشت في الجاهلية؟ قال: دارين. قال النضر:
يعني مائتي سنة، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كان النابغة ممن فكر في الجاهلية، وأنكر الخمر والسكر، وهجر الأزلام، واجتنب الأوثان، وذكر دين إبراهيم، وهو القائل القصيدة التي فيها:
الحمد للَّه لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
قال أبو عمر: في هذه القصيدة ضروب من التوحيد، والإقرار بالبعث، والجزاء، والجنة، والنار، على نحو شعر أمية بن أبي الصلت، وقد قيل: إنها لأمية، لكن صحح حماد الراوية، ويونس بن حبيب، ومحمد بن سلام الجمحيّ، وعلى بن سليمان الأخفش للنابغة قرأت على عليّ بن محمد الدمشقيّ بالقاهرة، عن سليمان بن حمزة، أنبأنا أبو النصر الطوسي، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا دواد بن رشيد، حدثنا يعلي بن الأشدق، قال: سمعت النابغة الجعديّ يقول: أنشدت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال: أين المظهر يا أبا ليلى؟ قلت: الجنة. قال: أجل- إن شاء اللَّه تعالى، ثم قال:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له بوادر تحمى صفوه أن يكدّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا