للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما وثبت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام، حتى أتيته فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار [ (١) ] ، فوضعت سهما في كبد قوسي، فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تذعرهم عليّ ولو رميته لأصبته، فأخبرته خبر القوم وفرغت قررت، فألبسني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائما حتى أصبحت، فقال: قم أيا نومان [ (٢) ] .


[ (١) ] يصلى ظهره: يدفئه.
[ (٢) ] النومان: كثير النوم، (دلائل البيهقي) : ٣/ ٤٤٩- ٤٥٠، باب إرسال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حذيفة بن اليمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى عسكر المشركين، وما ظهر له في ذلك من آثار النبوة بوقوفة ليلتئذ على ما أرسل على المشركين من الريح والجنود، وتصديق اللَّه- سبحانه- قول نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما وعد حذيفة من حفظ اللَّه إياه عن الأسر والبرد، باختلاف يسير في اللفظ، وأخرجه الإمام مسلم (في صحيحه) ، كتاب الجهاد والسير، باب (٣٦) غزوة الأحزاب، حديث رقم (١٧٨٨) . قوله: «كنا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاتلت معه وأبليت، فقال له حذيفة ما قال» : معناه أن حذيفة فهم منه أنه لو أدرك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لبالغ في نصرته، ولزاد على الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فأخبره. بخبره في ليلة الأحزاب، وقصد زجره عن ظنه أنه يفعل أكثر من فعل الصحابة. قوله: «وأخذتنا تاريخ شديدة وقر» ، هو بضم القاف، وهو البرد وقوله بعد هذا: «قررت» هو بضم القاف وكسر الراء، أي بردت،
قوله: «اذهب فأتني بخير القوم ولا تذعرهم علي»
هو بفتح التاء وبالذال المعجمة، معناه: لا تفزعهم على ولا تحركهم علي، وقيل: معناه لا تنفرهم، وهو قريب من المعنى الأول، والمراد: لا تحركهم عليك، فإنّهم إن أخذوك كان ذلك ضررا على لأنك رسولي وصاحبي قوله: «فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشى في حمام حتى أتيتهم» ، يعنى أنه لم يجد البرد الّذي يجد الناس، ولا من تلك الريح الشديدة ودعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم له، واستمر ذلك اللطف به ومعافاته من البرد حتى عاد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما رجع ووصل عاد إليه البرد الّذي يجده الناس، وهذه من معجزات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. ولفظة الحمام عربية، وهو مذكر مشتق من الحميم، وهو الماء الحار. قوله:
«فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره» ، هو بفتح الياء وإسكان الصاد، أي يدفئه، ويدنيه فيها، وهو الصلا، بفتح الصاد والقصر، والصلاء بكسرها والمد. وقوله: «كبد القوس» ، هو مقبضها،