للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان برأي رأيته فليس ذلك بصواب، فترك رأيه لرأيهم، فثبت أن ما يتعلق بالأمور الدنيوية، فحال الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وغيره فيه، سواء، والمشاورة فيه مستحسنة له ولغيره.

قال المرسي: الأمور الممكنة على ضربين، منها ما جعل اللَّه- تعالى- فيه عادة مطردة تنخرم، فهذا مما لا يستشار فيه، بل من علم العادة كان أعلم ممن لا يعلمها.

والضرب الثاني: ما كانت العادة فيه أكثر، ورأيه فيها أصوب، ألا ترى أن من حاول التجارة علم وقت رخصها، وغلائها، وما يصلح، فيستشار فيها لعلمه بالأكثر وقوعا من الصلاح فيها، ولهذا ينبغي أن يستشار أرباب كل فن في فنهم، والاستشارة لا تعدو هذا، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم.

قلت: صحيح ما أورده المرسيّ، ومع صحته فلا يمنع كون مصالحة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عيينة أو همّه بمصالحته، كان رأيا من عند نفسه، بحسب ما رآه من مصلحة الناس، وهو مأخوذ من المشورة، فكأنه أشاد بهذا، بل الحديث مصرح به فتأمله [ (١) ] .


[ (١) ] قال الحافظ ابن كثير: قد ادعى بعض العلماء أن هذه الآية المخيرة بين مفاداة الأسير والمنّ عليه منسوخة بقوله- تعالى-: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ رواه العوفيّ عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وقاله الضّحاك، وقتادة، والسديّ، وابن جريح: وقال الآخرون- وهم الأكثرون-: ليست بمنسوخة.
ثم قال بعضهم: إنما الإمام مخير بين المن على الأسير ومفاداته فقط، ولا يجوز له قتله.
وقال آخرون منهم: بل له أن يقتله إن شاء، لحديث قتل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم النضر بن الحارث، وعقبة ابن أبي معيط من أسارى بدر، وقال ثمامة بن آثال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين
قال له: «ما عندك يا ثمامة؟ فقال: إن تقتل، تقتل ذا دم، وإن تمنن على شاكر، وإن كنت تريد المال فاسأل تعط منه ما شئت.
وزاد الشافعيّ- رحمة اللَّه عليه- فقال: الإمام مخير بين قتله، أو المن عليه، أو مفاداته، أو استرقاقه أيضا. (تفسير ابن كثير) : ٤/ ١٨٦، سورة محمد.