قال القاضي عياض: وقد تأول قوم طلب فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ميراثها من أبيها على أنها تأولت الحديث- إن كان بلغها- قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لا نورث» على الأموال التي لها بال، فهي التي لا تورث.. لا ما يتركوه من طعام، وأناث، وسلاح. وهذا التأويل خلاف ما ذهب إليه أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وسائر الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم أجمعين-. وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ما تركت بعد نفقة نسائي، ومؤنة عاملي» فليس معناه: إرثهن منه، بل لكونهن محبوسات عن الأزواج لسببه، أو لعظم حقهن في بيت المال لفظلهن، وقدم هجرتهن، وكونهن أمهات المؤمنين. وكذلك اختصصن بمساكنهن لم يرثها ورثتهن. قال القاضي: وفي ترك فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- منازعة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعد احتجاجه عليها بالحديث: التسليم للإجماع على القضية، وأنها لما بلغها الحديث، وبين لها التأويل، تركت رأيها، ثم لم يكن منها ولا من أحد من ذريتها بعد ذلك طلب الميراث. ثم لما ولى عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الخلافة لم يعدل بها عما فعله أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فدل على أن طلب عليّ والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- إنما كان طلب تولى القيام بها بأنفسهما، وقسمتها بينهما كما سبق. قال: وأما ما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فمعناه: انقباضتها عن لقائه، وليس هذا من الهجران المحرم، الّذي هو ترك السلام والإعراض عند اللقاء، ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته. قال العلماء: وفي هذا الحديث: أنه ينبغي أن يولي أمر كل قبيلة سيدهم، ويفوض إليه مصلحتهم، لأنه أعرف بهم وأرفق بحالهم، وأبعد من أن يأنفوا من الانقياد له. ولهذا قال اللَّه- سبحانه وتعالى-: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها [النساء: ٣٥] .