للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو خالد، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللَّه بن قسيط، عن القعقاع بن عبد اللَّه بن أبي حدرد الأسلمي، عن أبيه قال: بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سرية إلى إضم، فلقينا عامر بن الأضبط فحيانا بتحية الإسلام، فحمل عليه المحلم بن جثامة فقتله وسلبه، فلما قدمنا جئنا بسلبة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرناه، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [ (١) ] .. الآية.

وقال في غزوة حنين: قالوا: وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الظهر يوما بحنين، ثم تنحى إلى [ظل] شجرة فجلس إليها فقام عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعي وهو يومئذ سيد قيس ومعه الأقرع بن حابس يدفع عن محلم ابن جثامة لمكان خندف، فاختصما بين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعيينة، يقول: يا رسول اللَّه، لا واللَّه لا أدعه حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تأخذ الدية؟ فأبى عيينة حتى ارتفعت الأصوات وكثر اللغط إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له: مكيتل قصد مجتمع، عليه سلة كاملة وذرقة في يده، فقال: يا رسول اللَّه إني لم أجد لهذا القتيل شبها غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها فنفرت أخراها، أسنن اليوم وغير غدا [ (٢) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرا الآن وخمسين إذا رجعنا


[ (١) ] النساء: ٩٤، واختلف في اسم القاتل والمقتول، بعد الاتفاق على أن ذلك كان في سرية،
فروى ابن القاسم عن مالك: أن القاتل أسامة بن زيد، والمقتول مرداس بن نهيك الفزاري من أهل فدك، وفي سيرة ابن إسحاق: أن القاتل محلم بن جثامة، والمقتول عامر بن الأضبط.
وقيل: القاتل أبو قتادة، وقيل: أبو الدرداء، وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وبخ القاتل، وقال له: فهلا شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه.
ومخاطبتهم ب- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تلوح إلى أن الباعث على قتل من أظهر الإسلام منهيّ عنه، ولو كان قصد القاتل الحرص على تحقيق وصف الإيمان ثابت للمقتول، فإن هذا التحقيق غير مراد للشريعة، وقد ناطت صفة الإسلام بقول: «لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه» ، أو بتحية الإسلام وهي: «السلام عليكم» (تفسير التحرير والتنوير) : ٤/ ١٦٧.
[ (٢) ] أسن اليوم وغيّر غدا: يريد احكم لنا اليوم بالدم، واحكم غدا بالدية لمن شئت.