للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: كان عروة بن مسعود حين حاصر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل الطائف بجرش يتعلم عمل الدبابات [ (١) ] والمنجنيق [ (٢) ] ، ثم رجع إلى الطائف بعد أن ولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعمل المنجنيق والدبابات والعرادات [ (٣) ] ، وأعد ذلك حتى قذف اللَّه في قلبه الإسلام.

فقدم المدينة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلم، ثم قال: يا رسول اللَّه ائذن لي فأتي قومي فأدعوهم إلى الإسلام، فو اللَّه ما رأيت مثل هذا الدين ذهب عنه ذاهب، فأقدم على أصحابي وقومي بخير قادم، وما قدم وافد قط على قومه إلا من قدم بمثل ما قدمت به، وقد سبقت يا رسول اللَّه في مواطن كثيرة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنهم إذا قاتلوك، قال: يا رسول اللَّه لأنا أحب إليهم من أبكار أولادهم.

ثم استأذنه الثانية، فأعاد عليه الكلام الأول، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنهم إذا قاتلوك. فقال: يا رسول اللَّه لو وجدوني نائما ما أيقظوني، واستأذنه الثالثة فقال: إن شئت فاخرج.

فخرج إلى الطائف فسار إليها خمسا، فقدم على قومه عشاء فدخل منزله، فأنكر قومه دخوله منزله من قبل أن يأتي الربة [ (٤) ] ، ثم قالوا: السفر قد حصره [ (٥) ] ، فجاءوا منزله، فحيوه بتحية الشرك، فكان أول ما أنكر عليهم تحية الشرك، فقال: عليكم تحية أهل الجنة، ثم دعاهم إلى الإسلام وقال: يا قوم أتتهمونني؟ ألستم تعملون أني أوسطكم نسبا، وأكثركم مالا، وأعزكم نفرا؟ فما حملني على الإسلام إلا أني رأيت أمرا لا يذهب عنه ذاهب، وأقبلوا


[ (١) ] الدبّابة- بالدال المهملة فموحدة مشددة، وبعد الألف موحدة فتاء تأنيث-: آلة من آلات الحرب يدخل فيها الرجال، فيندفعون بها إلى الأسوار لينقبوها.
[ (٢) ] المنجنيق- بفتح الميم وقد تكسر، يؤنث وهو أكثر، ويذكر فيقال: هي المنجنيق، وعلى التذكير: هو المنجنيق، ويقال: المنجنوق ومنجليق، وهو معرب، وأول من عمله قبل الإسلام إبليس- لعنه اللَّه- حين أرادوا رمي سيدنا إبراهيم صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو أول منجنيق رمى به في الإسلام.
أما في الجاهلية فيذكر أن جذيمة- بضم الجيم، وفتح الذال المعجمة وسكون التحتية- ابن مالك المعروف بالأبرش، أول من رمى بها، وهو من ملوك الطوائف.
[ (٣) ] العرادة: أصغر من المنجنيق.
[ (٤) ] يعنى: اللات.
[ (٥) ] حصره: أي منعه عن مقصده.