للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصبح، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتصفح الناس إذا انصرف من الصبح فنظر إليه، فأنكره، فقال: من أنت؟ فانتسب له فقال: أنت عبد اللَّه ذو البجادين، ثم قال:

انزل مني قريبا.

فكان يكون في أضيافه ويعلمه القرآن، حتى قرأ قرآنا كثيرا، والناس يتجهزون إلى تبوك. وكان رجلا صيتا، فكان يقوم في المسجد فيرفع صوته بالقراءة، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه! ألا تسمع هذا الأعرابي يرفع صوته بالقرآن حتى قد منع الناس القراءة؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعه يا عمر فإنه خرج مهاجرا إلى اللَّه ورسوله.

قال: فلما خرج إلى تبوك قال: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه لي بالشهادة، فقال: أبلغني لحاء سمرة [ (١) ] ، فأبلغه لحاء سمرة، فربطها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على عضده وقال: اللَّهمّ إني أحرم دمه على الكفار، فقال: يا رسول اللَّه ليس هذا أردت، قال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنك إذا خرجت غازيا في سبيل اللَّه فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد، أو وقصتك دابتك فأنت شهيد، لا تبال بأية كان.

فلما نزلوا تبوك أقاموا بها أياما، وتوفى عبد اللَّه ذو البجادين، فكان بلال ابن الحارث يقول: حضرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومع بلال المؤذن شعله من نار عند القبر واقفا بها، وإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القبر، وإذا أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يدليانه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يقول: أدنيا إليّ أخاكما، فلما هيئاه لشقه، قال: اللَّهمّ إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه،

قال: فقال عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يا ليتني كنت صاحب اللحد [ (٢) ] .


[ (١) ] لحاء سمرة: قشر شجرة.
[ (٢) ] (مغازي الواقدي) : ٣/ ١٠١٣- ١٠١٤.