للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نصب الدنيا، وإذا خافوها فأحجموا عن تمني الموت خوفا وفرقا من اللَّه- تعالى-، العالم يقبح فعالهم وسوء أعمالهم، ولمعرفتهم بكفرهم في قولهم:

نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ولحرصهم على الدنيا فلما علم اللَّه- سبحانه- منهم ذلك أخبر عنهم بقوله- تعالى-: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يحقق- تعالى- كذبهم للناس فلم يقدم أحد منهم على تمني الموت معجزة من اللَّه- تعالى- لنبيه ولو تمنوه لأظهروه بألسنتهم ليردوا بإظهاره صدق المخبر لهم بذلك، وليبطلوا حجته فيكون تمنيهم للموت أعظم ما يدفعون به نبوته، ويشنعون به عليه من إخباره بما وقع في الوجوه خلافه، لكن اللَّه- سبحانه صرفهم عن تمني الموت وحرصهم على الإمساك يجعل ذلك آية للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم.

وقد روى أنهم لو تمنوا الموت لماتوا، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار.

وحكى عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أن المراد ادعوا بالموت على الكاذب من الفريقين منا ومنكم، فلم يدعوا لعلمهم بكذبهم.

وقال الكلبي: عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن كنتم في مقالتكم صادقين فقولوا: اللَّهمّ أمتنا، فو الّذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه، فأبوا أن يفعلوا فكرهوا ما قال لهم فنزل: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يعني عملته أيديهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ أنهم لن يتمنوه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند نزول هذه الآية: واللَّه لا يتمنونه أبدا، والّذي نفسي بيده لو تمنوا الموت لماتوا، فكره أعداء اللَّه الموت فلم يتمنوا جزعا أن ينزل بهم الموت.

وقال في قوله- تعالى-: وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً [ (١) ] قال: وإذا ناديتم إلى الصلاة بالأذان والإقامة اتخذوها هزوا ولعبا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ أمر اللَّه.

قال: وكان منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا نادى بالصلاة فقام المسلمون إلى الصلاة، قالت اليهود والنصارى: قد قاموا، لا قاموا، فإذا رأوهم ركعا سجدا استهزءوا بهم وضحكوا منهم.


[ (١) ] المائدة: ٥٨.