للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو وائل السهمي الّذي يقال له ابن العيطلة، والعيطلة أم أولاد قيس بن عدي، نسبوا إليها، إنه أحد المستهزءين المؤذين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو الّذي كان كلما رأى حجرا أحسن من الّذي عنده أخذه وألقي ما عنده [ (١) ] وفيه نزلت: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [ (٢) ] إلى آخر الآية. وكان يقول: لقد غرّ محمد نفسه وأصحابه، وعدهم أن يحيوا بعد الممات! واللَّه ما يهلكنا إلا الدهر ومرور الأيام والأحداث، فأكل حوتا مملوحا، فلم يزل يشرب عليه الماء حتى مات. ويقال: إنه أصابته الذبحة فقتل، امتحض رأسه قيحا.

والوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن مخزوم أبو عبد شمس، والد خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان يقال له: العدل لأنه فيما يقال:

كان يعدل قريشا كلها. ويقال: إن قريشا كانت تكسو الكعبة فيكسوها هو مثل ما يكسوها هم، ويقال له العدل [ (٣) ] وجمع قريشا في دار الندوة، ثم قال لهم: إن العرب يأتوكم أيام الحج فيسألونكم عن محمد فتختلفون، يقول هذا:

ساحر، ويقول هذا: شاعر، ويقول هذا: مجنون، ويقول هذا: كاهن، والناس يعلمون أن هذه الأشياء لا تجتمع، فقالوا: نسميه شاعرا! قال الوليد:

سمعت الشعر وسمعناه، فما يشبه ما يجيء به شيئا من ذلك. قالوا: كاهن! قال: صاحب الكهانة يصدق ويكذب، وما رأينا محمدا كذب قط! قالوا:

فمجنون! قال: المجنون يخنق ومحمد لا يخنق، ثم مضى الوليد إلى بيته، فقالوا: صبأ، قال: ما صبأت، ولكني فكرت فقلت: أولى ما يسمي ساحرا، لأن الساحر يفرق بين المرأة وزوجها، والأخ وأخيه، فتنادوا بمكة: إن محمدا ساحر، فنزلت فيه: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [ (٤) ] إلي قوله: تِسْعَةَ عَشَرَ، فقال: أبو الأشدّين- واسمه كلدة بن أسيد بن خلف الجمحي-: أنا أكفيكم، خمسة علي ظهري، وأربعة بيدي [ (٥) ] ، فألقوا في جهنم، فنزلت:


[ (١) ] الحجر: الصنم الّذي يعبده من دون اللَّه تعالى.
[ (٢) ] الفرقان: ٤٣.
[ (٣) ] لأنه كان يعدل قريشا وحدها في النفقة في كسوة الكعبة.
[ (٤) ] المدثر: ١١.
[ (٥) ] كذا في (الأصل) ، وفي (ابن كثير) : قال: يا معشر قريش اكفوني منهم اثنين، وأنا أكفيكم منهم سبعة عشر، إعجابا منه بنفسه، وكان قد بلغ من القوة فيما يزعمون أنه كان يقف على جلده البقرة ويجافيه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه.