وعن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن أعمى كانت له امرأة تسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتشتمه فقتلها، وأعلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك فأهدر دمها. وذكر حديث أبي برزة الأسلميّ.
وقال القاضي أبو محمد بن نصر ولم يخالف عليه فاستدل الأئمة بهذا الحديث على قتل من أغضب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بكل ما أغضبه أو أذاه أو سبه.
ومن ذلك كتاب عمر بن عبد العزيز- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى عامله بالكوفة، وقد استشاره في قتل رجل سب عمر فكتب عمر: إنه لا يحل قتل امرئ يسب أحد من الناس إلا رجلا سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمن سبه فقد حل دمه.
وسأل الرشيد مالكا في رجل شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بجلده، فغضب مالك وقال: يا أمير المؤمنين! ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها؟
من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جلد.
قال القاضي أبو الفضل: كذا وقع في هذه الحكاية رواها غير واحد من أصحاب مناقب مالك ومؤلفي أخباره، وغيرهم، ولا أدري من هؤلاء الفقهاء بالعراق الذين أفتوا الرشيد بما ذكر؟ فقد ذكرنا مذهب العراقيين بقتله ولعلهم ممن لم يشهر بعلم أو من لا يوثق بفتواه، أو يميل به هواه، أو يكون ما قاله يحمل على غير السب، فيكون الخلاف: هل هو سب أو غير سب؟ أو يكون رجع وتاب عن سبه فلم يقله لمالك على أصله، وإلا فالإجماع على قتل من سبه كما قدمناه.
ويدل على قتله من جهة النظر والاعتبار من سبه أو نقّصه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد ظهرت علامة مرض قلبه، وبرهان سر طويته وكفره، ولهذا ما حكم عليه كثير من العلماء بالردة وهي رواية الشاميين عن مالك والأوزاعي، وقول الثوري وأبي حنيفة والكوفيين.
والقول الآخر: أنه دليل على الكفر فيقتل حدا، وإن لم يحكم له بالكفر إلا أن يكون متماديا على قوله غير منكر له، ولا يقلع عنه، فهذا كافر.